للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالقرآن هو رسالة من المعبود إلى العابد، ومن الخالق إلى المخلوق، يأمره فيه بأوامر عليه القيام بواجبها، والمسارعة إلى مستحبها، وينهاه فيه عن محرمات يجب عليه اجتنابها، فمن آمن بالله رباً فعليه أن يعمل بكتابه الذي هو خطابه إليه، ولا يتخير من أوامر القرآن ما يوافق هواه ليعمل به، ولا يُقبل على ارتكاب المناهي التي تميل إليها نفسه، فمن فعل ذلك الانتقاء فما آمن بالقرآن حق الإيمان.

فالمؤمن به حقًا هو من يقول: سمعنا وأطعنا لكل شيء جاء فيه، ولا ينتقي منه حسب الهوى والمصلحة.

عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القرآن شافع مشفع، وماحل مصدَّق (١)، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار) (٢).

يعني: " من اقتدى به بالتزام ما فيه من الأحكام قاده إلى الجنة" (٣). ومن " من شهد عليه القرآن بالتقصير والتضييع فهو في النار، ويقال: لا تجعل القرآن ماحلاً أي: شاهداً عليك" (٤).

وقد شكا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه هجر قومه للقرآن، ومن هجره: ترك العمل به، قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: ٣٠]. قال الشنقيطي: " معنى هذه الآية الكريمة ظاهر، وهو أن نبيّنا صلى الله عليه وسلم شكا إلى ربّه هجر قومه، وهم كفّار قريش لهذا القرآن العظيم، أي: تركهم لتصديقه، والعمل به، وهذه شكوى عظيمة، وفيها أعظم تخويف لمن هجر هذا القرآن


(١) أي خَصْمٌ مجادَل مصدَّق. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (٤/ ٦٣٦).
(٢) رواه ابن حبان (١/ ٣٣١)، وهو صحيح.
(٣) التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوي (٢/ ٣٩٥).
(٤) فيض القدير، للمناوي (٤/ ٥٣٥).

<<  <   >  >>