للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنده للناس، ثم هاجر ماشيا على قدميه، حتى لحقهما بقباء، ونزل على كلثوم بن الهدم «١» .

وأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقباء أربعة أيام: الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس «٢» . وأسس مسجد قباء وصلى فيه، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، فلما كان اليوم الخامس- يوم الجمعة- ركب بأمر الله له، وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى بني النجار- أخواله- فجاؤوا متقلدين سيوفهم، فسار نحو المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانوا مائة رجل «٣» .

[الدخول في المدينة:]

وبعد الجمعة دخل النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة- ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم، ويعبر عنها بالمدينة مختصرا- وكان يوما تاريخيا أغر، فقد كانت البيوت والسكك ترتج بأصوات التحميد والتقديس، وكانت بنات الأنصار تتغنى بهذه الأبيات فرحا وسرورا «٤» :

أشرق البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع

والأنصار إن لم يكونوا أصحاب ثروات طائلة؛ إلا أن كل واحد منهم كان يتمنى أن ينزل الرسول صلّى الله عليه وسلم عليه. فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام راحلته: هلم إلى العدد


(١) زاد المعاد ٢/ ٥٤. ابن هشام ١/ ٤٩٣، رحمة للعالمين ١/ ١٠٢.
(٢) هذا ما رواه ابن إسحاق، انظر ابن هشام ١/ ٤٩٤ وهو الذي اختاره العلامة المنصور فوري انظر رحمة للعالمين ١/ ١٠٢، وفي صحيح البخاري أنه أقام بقباء أربعا وعشرين ليلة (١/ ٦١) وبضع عشرة ليلة (١/ ٥٥٥) وأربع عشرة ليلة (١/ ٥٦٠) وهذا الأخير هو الذي اختاره ابن القيم، وقد صرح هو نفسه أن نزوله بقباء كان يوم الإثنين وخروجه يوم الجمعة (زاد المعاد ٢/ ٥٤، ٥٥) ومعلوم أن فصل ما بينهما لا يزيد على عشرة أيام سوى يومي الدخول والخروج، ومعهما لا يزيد على اثني عشر يوما إذا كانا من أسبوعين.
(٣) صحيح البخاري ١/ ٥٥٥، ٥٦٠، زاد المعاد ٢/ ٥٥، ابن هشام ١/ ٤٩٤ رحمة للعالمين ١/ ١٠٢.
(٤) ذكر ابن القيم أن إنشاد هذه الأشعار كان عند مرجعه صلّى الله عليه وسلم من تبوك، ووهم من يقول: إنما كان ذلك عند مقدمه المدينة (زاد المعاد ٣/ ١٠) لكن ابن القيم لم يأت على هذا التوهيم بدليل يشفي، وقد رجح العلامة المنصور فوري أن ذلك كان عند مقدمة المدينة، ومعه دلائل لا يمكن ردها انظر رحمة للعالمين ١/ ١٠٦.

<<  <   >  >>