للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا هو الظرف الدقيق الذي خارت فيه عزائم كثير من الصحابة المطوقين، الذين لم يكونوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وانهارت معنوياتهم، حتى وقع داخل صفوفهم ارتباك شديد، وعمتها الفوضى والاضطراب، إلا أن هذه الصيحة خففت بعض التخفيف من مضاعفة هجمات المشركين؛ لظنهم أنهم نجحوا في غاية مرامهم، فاشتغل الكثير منهم بتمثيل قتلى المسلمين.

الرسول- صلّى الله عليه وسلم- يواصل المعركة وينقذ الموقف:

ولما قتل مصعب أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب، فقاتل قتالا شديدا، وقامت بقية الصحابة الموجودين هناك ببطولاتهم النادرة يقاتلون ويدافعون.

وحينئذ استطاع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق، فأقبل إليهم، فعرفه كعب بن مالك- وكان أول من عرفه- فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأشار إليه أن أصمت؛ وذلك لئلا يعرف موضعه المشركون. إلا أن هذا الصوت بلغ إلى آذان المسلمين، فلاذ إليه المسلمون، حتى تجمع حوله حوالي ثلاثين رجلا من الصحابة.

وبعد هذا التجمع أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الانسحاب المنظم إلى شعب الجبل، وهو يشق الطريق بين المشركين المهاجمين، واشتد المشركون في هجومهم؛ لعرقلة الانسحاب إلا أنهم فشلوا أمام بسالة ليوث الإسلام.

تقدم عثمان بن عبد الله بن المغيرة- أحد فرسان المشركين- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يقول: لا نجوت إن نجا. وقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمواجهته. إلا أن الفرس عثرت في بعض الحفر، فنازله الحارث بن الصمة، فضرب على رجله فأقعده، ثم ذفف عليه، وأخذ سلاحه، والتحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم.

وعطف عبد الله بن جابر- فارس آخر من فرسان مكة- على الحارث بن الصمة، فضرب بالسيف على عاتقه، فجرحه حتى حمله المسلمون، ولكن انقض أبو دجانة- البطل المغامر ذو العصابة الحمراء- على عبد الله بن جابر، فضربه بالسيف ضربة أطارت رأسه.

وأثناء هذا القتال المرير، كان المسلمون يأخذهم النعاس أمنة من الله، كما تحدث عنه

<<  <   >  >>