للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعنى هذا الإخاء- كما قال محمد الغزالي- أن تذوب عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه.

وقد جعل الرسول صلّى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقدا نافذا، لا لفظا فارغا، وعملا يرتبط بالدماء والأموال، لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر.

وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال «١» .

فقد روى البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد بن الربيع، فقال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فاقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدو، ثم جاء يوما وبه أثر صفرة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: مهيم؟ قال: تزوجت. قال: كم سقت إليها؟ قال: نواة من ذهب «٢» .

وروى عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبي صلّى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل.

قال: لا. فقالوا: فتكفونا المؤنة، ونشرككم في الثمرة. قالوا: سمعنا وأطعنا «٣» .

وهذا يدلنا على ما كان عليه الأنصار من الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين، ومن التضحية والإيثار والود والصفاء، وما كان عليه المهاجرون من تقدير هذا الكرم حق قدره، فلم يستغلوه ولم ينالوا منه إلا بقدر ما يقيم أودهم.

وحقا فقد كانت هذه المؤاخاة فذة، وسياسة صائبة حكيمة، وحلا رائعا لكثير من المشاكل التي كان يواجهها المسلمون، والتي أشرنا إليها.

[ميثاق التحالف الإسلامي:]

وكما قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعقد المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها كل ما كان


(١) فقه السيرة ص ١٤٠، ١٤١.
(٢) صحيح البخاري. باب إخاء النبي صلّى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ١/ ٥٥٣.
(٣) صحيح البخاري- باب إذا قال: اكفني مؤنة النخل إلخ ١/ ٣١٢.

<<  <   >  >>