للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلوب الضعفاء، وكانوا يضيقون سبل المعيشة على من آمن إن كان لهم به ارتباط مالي، فإن كان لهم عليه يتقاضونه صباح مساء، وإن كان له عليهم يأكلونه بالباطل، ويمتنعون عن أدائه، وكانوا يقولون: إنما كان علينا قرضك حينما كنت على دين آبائك، فأما إذ صبوت فليس لك علينا من سيبل «١» .

كانوا يفعلون كل ذلك قبل بدر، على رغم المعاهدة التي عقدوها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه يصبرون على كل ذلك؛ حرصا على رشدهم، وعلى بسط الأمن والسلام في المنطقة.

[بنو قينقاع ينقضون العهد:]

لكنهم لما رأوا أن الله قد نصر المؤمنين نصرا مؤزرا في ميدان بدر، وأنهم قد صارت لهم عزة وشوكة وهيبة في قلوب الأقاصي والأداني، تميزت قدر غيظهم وكاشفوا بالشر. والعداوة، وجاهروا بالبغي والأذى.

وكان أعظمهم حقدا وأكبرهم شرا كعب بن الأشرف- وسيأتي ذكره- كما أن أشر طائفة من طوائفهم الثلاث هم يهود بني قينقاع، كانوا يسكنون داخل المدينة- في حي باسمهم- وكانوا صاغة وحدادين وصناع الظروف والأواني، ولأجل هذه الحرف كانت قد توفرت لكل رجل منهم آلات الحروب، وكان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة، وكانوا أشجع يهود المدينة، وكانوا أول من نكث العهد والميثاق من اليهود.

فلما فتح الله للمسلمين في بدر اشتد طغيانهم، وتوسعوا في تحرشاتهم واستفزازاتهم، فكانوا يثيرون الشغب، ويتعرضون بالسخرية، ويواجهون بالأذى كل من ورد سوقهم من المسلمين، حتى أخذوا يتعرضون لنسائهم.

وعندما تفاقم أمرهم واشتد بغيهم، جمعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوعظهم ودعاهم إلى الرشد والهدى، وحذرهم مغبة البغي والعدوان، ولكنهم ازدادوا في شرهم وغطرستهم.

روى أبو داود وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريشا


(١) ذكر المفسرون نماذج لفعلاتهم هذه في تفسير سورة آل عمران وغيرها.

<<  <   >  >>