قاموا فقالوا ذلك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وسأسأل لكم الناس» ، فقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا. وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وسلم.
فقال العباس بن مرداس: وهنتموني.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«إن هؤلاء القوم قد جاءوا مسلمين، وقد كنت استأنيت سبيهم، وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئا. فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه بأن يرده فسبيل ذلك، ومن أحب أن يستمسك بحقه فليرد عليهم، وله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا» ، فقال الناس: قد طيبنا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «إنا لا نعرف من رضي منكم ممن لم يرض. فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم، فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، لم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن فإنه أبى أن يرد عجوزا صارت في يديه منهم، ثم ردها بعد ذلك، وكسا رسول الله صلّى الله عليه وسلم السبي قبطية قبطية.
[العمرة والانصراف إلى المدينة:]
ولما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قسمة الغنائم في الجعرانة أهلّ معتمرا منها، فأدى العمرة، وانصرف بعد ذلك راجعا إلى المدينة بعد أن ولى على مكة عتاب ابن أسيد، وكان رجوعه إلى المدينة لست ليال بقيت من ذي القعدة سنة ٨ هـ.
قال محمد الغزالي: لله ما أفسح المدى الذي بين هذه الآونة الظافرة بعد أن توج الله هامته بالفتح المبين، وبين مقدمه إلى هذا البلد النبيل منذ ثمانية أعوام؟
لقد جاء مطاردا يبغي الأمان، غريبا مستوحشا ينشد الإيلاف والإيناس، فأكرم أهله مثواه، وآووه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، واستخفوا بعداوة الناس جميعا من أجله، وها هو ذا بعد ثمانية أعوام يدخل المدينة التي استقبلته مهاجرا خائفا؛ لتستقبله مرة أخرى وقد