أما بقية الجيش فجعل على الميمنة المنذر بن عمرو، وجعل على الميسرة الزبير بن العوام، يسانده المقداد بن الأسود، وكان إلى الزبير مهمة الصمود في وجه فرسان خالد بن الوليد، وجعل في مقدمة الصفوف نخبة ممتازة من شجعان المسلمين ورجالاتهم المشهورين بالنجدة والبسالة، والذين يوزنون بالآلاف.
ولقد كانت خطة حكيمة ودقيقة جدا، تتجلى فيها عبقرية قيادة النبي صلّى الله عليه وسلم العسكرية- وأنه لا يمكن لأي قائد مهما تقدمت كفاءته أن يضع خطة أدق وأحكم من هذا- فقد احتل أفضل موضع من ميدان المعركة، مع أنه نزل فيه بعد العدو، فقد حمى ظهره ويمينه بارتفاعات الجبل، وحمى ميسرته وظهره- حين يحتدم القتال- بسد الثلمة الوحيدة التي كانت توجد في جانب الجيش الإسلامي، واختار لمعسكره موضعا مرتفعا يحتمي به- إذا نزلت الهزيمة بالمسلمين- ولا يلتجىء إلى الفرار، حتى يتعرض للوقوع في قبضة الأعداء المطاردين وأسرهم، ويلحق مع ذلك خسائر فادحة إلى أعدائه إن أرادوا احتلال معسكره وتقدموا إليه، وألجأ أعداءه إلى قبول موضع منخفض يصعب عليهم جدا أن يحصلوا على شيء من فوائد الفتح إن كانت الغلبة لهم، ويصعب عليهم الإفلات من المسلمين المطاردين إن كانت الغلبة للمسلمين، كما أنه عوض النقص العددي في رجاله باختيار نخبة ممتازة من أصحابه الشجعان البارزين.
وهكذا تمت تعبئة الجيش النبوي صباح يوم السبت السابع من شهر شوال سنة ٣ هـ.
الرسول- صلّى الله عليه وسلم- ينفث روح البسالة في الجيش:
ونهى الرسول صلّى الله عليه وسلم الناس عن الأخذ في القتال حتى يأمرهم، وظاهر بين درعين، وحرض أصحابه على القتال، وحضهم على المصابرة والجلاد عند اللقاء، وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه، حتى جرد سيفا باترا ونادى أصحابه:«من يأخذ هذا السيف بحقه» ؟
فقام إليه رجال يأخذوه- منهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب- حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال:«أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني» . قال: أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأعطاه إياه.
وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت. فلما أخذ السيف عصب رأسه بتلك العصابة، وجعل