للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احتدام القتال حول رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-:

وبينما كانت تلك الطوائف تتلقى أواصر التطويق، تطحن بين شقي رحى المشركين، كان العراك محتدما حول رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أن المشركين لما بدأوا عمل التطويق لم يكن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا تسعة نفر، فلما نادى المسلمين: هلم إليّ، أنا رسول الله، سمع صوته المشركون وعرفوه، فكروا إليه وهاجموه، ومالوا إليه بثقلهم قبل أن يرجع إليه أحد من جيش المسلمين، فجرى بين المشركين وبين هؤلاء النفر التسعة من الصحابة عراك عنيف، ظهرت فيه نوادر الحب والتفاني والبسالة والبطولة.

روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: من يردهم عنا وله الجنة؟ أو هو رفيقي في الجنة؟ فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضا فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لصاحبيه- أي القرشيين- ما أنصفنا أصحابنا «١» .

وكان آخر هؤلاء السبعة هو عمارة بن يزيد بن السكن، قاتل حتى أثبتته الجراحة فسقط «٢» .

أحرج ساعة في حياة الرسول- صلّى الله عليه وسلم-:

وبعد سقوط بن السكن بقي الرسول صلّى الله عليه وسلم في القرشيين فقط، ففي الصحيحين عن أبي عثمان قال: لم يبق مع النبي صلّى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي يقاتل فيهن غير طلحة بن عبيد الله وسعد (بن أبي وقاص) «٣» وكانت أحرج ساعة بالنسبة إلى حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وفرصة ذهبية بالنسبة إلى المشركين، ولم يتوان المشركون في انتهاز تلك الفرصة، فقد ركزوا حملتهم على النبي صلّى الله عليه وسلم وطمعوا في القضاء عليه، رماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وكلمت شفته السفلى، وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهري، فشجه في


(١) صحيح مسلم، باب غزوة أحد ٢/ ١٠٧.
(٢) وبعد لحظة فاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فئة من المسلمين فأجهضوا الكفار عن عمارة، وأدنوه من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوسده قدمه، فمات وخده على قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم. (ابن هشام ٢/ ٨١) .
(٣) صحيح البخاري ١/ ٥٢٧، ٢/ ٥٨١.

<<  <   >  >>