للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد انتهاء الرسول- صلّى الله عليه وسلم- إلى الشعب:

ولما استقر رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مقره من الشعب خرج علي بن أبي طالب، حتى ملأ درقته ماء من المهراس- قيل: هو صخرة منقورة تسع كثيرا وقيل: اسم ماء بأحد- فجاء به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليشرب منه، فوجد له ريحا فعافه، فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم، وصب على رأسه وهو يقول: اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه «١» .

وقال سهل: والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومن كان يسكب الماء وبما دووي؟ كانت فاطمة ابنته تغسله، وعلي بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير، فأحرقتها، فألصقتها، فاستمسك الدم «٢» .

وجاء محمد بن مسلمة بماء عذب سائغ، فشرب منه النبي صلّى الله عليه وسلم، ودعا له بخير «٣» ، وصلى الظهر قاعدا من أثر الجراح، وصلى المسلمون خلفه قعودا «٤» .

[شمائة أبي سفيان بعد نهاية المعركة وحديثه مع عمر:]

ولما تكامل تهيؤ المشركين للانصراف، أشرف أبو سفيان على الجبل، فنادى: أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه. فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه. فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه- وكان النبي صلّى الله عليه وسلم منعهم من الإجابة- ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه وعلم قومه أن قيام الإسلام بهم. فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله ما يسوءك، فقال: قد كان فيكم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني.

ثم قال: اعل هبل.

فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: ألا تجيبونه؟ فقالوا: فما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل.


(١) ابن هشام ٢/ ٨٥.
(٢) صحيح البخاري ٢/ ٥٨٤.
(٣) السيرة الحلبية ٢/ ٣٠.
(٤) ابن هشام ٢/ ٨٧.

<<  <   >  >>