للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل قتالا منقطع النظير، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعا إياها حتى قتل. يقال: إن روميا ضربه ضربة قطعته نصفين، وأثابه الله بجناحيه جناحين في الجنة، يطير بهما حيث يشاء، ولذلك سمي بجعفر الطيار، وبجعفر ذي الجناحين.

روى البخاري عن نافع أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره. يعني ظهره «١» .

وفي رواية أخرى قال ابن عمر: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية «٢» . وفي رواية العمري عن نافع زيادة «فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده» «٣» .

ولما قتل جعفر بعد القتال بمثل هذه الضراوة والبسالة أخذ الراية عبد الله بن رواحة، وتقدم بها، وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد حتى حاد حيدة، ثم قال:

أقسمت يا نفس لتنزلنه ... كارهة أو لتطاوعنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنه ... مالي أراك تكرهين الجنه

ثم نزل، فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده فانتهس منه نهسة «٤» ، ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدم، فقاتل حتى قتل.

[الراية إلى سيف من سيوف الله:]

وحينئذ تقدم رجل من بني عجلان- اسمه ثابت بن أرقم- فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على


(١) صحيح البخاري، باب غزوة مؤتة من أرض الشام ٢/ ٦١١.
(٢) نفس المصدر ٢/ ٦١١.
(٣) انظر فتح الباري ٧/ ٥١٢، وظاهر الحديثين التخالف في العدد، وجمع بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، انظر المصدر المذكور.
(٤) أخذه بمقدم أسنانه ونتفه.

<<  <   >  >>