للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنزلوا على ذلك، وخربوا بيوتهم بأيديهم، ليحملوا الأبواب والشبابيك، بل حتى حمل بعضهم الأوتاد وجذوع السقف، ثم حملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير، فترحل أكثرهم وأكابرهم كحيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق إلى خيبر، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، وأسلم منهم رجلان فقط يامين بن عمرو وأبو سعد بن وهب، فأحرزا أموالهما.

وقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم سلاح بني النضير، واستولى على أرضهم وديارهم وأموالهم، فوجد من السلاح خمسين درعا، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفا.

وكانت أموال بني النضير وديارهم خالصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، يضعها حيث يشاء، ولم يخمسها لأن الله أفاءها عليه، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، فقسمها بين المهاجرين الأولين خاصة، إلا أنه أعطى أبا دجانة وسهل بن حنيف الأنصاريين لفقرهما، وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله.

كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة ٤ من الهجرة، أغسطس ٦٢٥ م وأنزل الله في هذه الغزوة سورة الحشر بأكملها، فوصف طرد اليهود، وفضح مسلك المنافقين، وبين أحكام الفيء، وأثنى على المهاجرين والأنصار، وبين جواز القطع والحرق في أرض العدو للمصالح الحربية، وأن ذلك ليس من الفساد في الأرض، وأوصى المؤمنين بالتزام التقوى والاستعداد للآخرة، ثم ختمها بالثناء على نفسه وبيان أسمائه وصفاته.

وكان ابن عباس يقول عن سورة الحشر: قل: سورة النضير «١» .

[غزوة نجد:]

وبهذا النصر الذي أحرزه المسلمون- في غزوة بني النضير- دون تضحيات توطد سلطانهم في المدينة، وتخاذل المنافقون عن الجهرة بكيدهم، وأمكن الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يتفرغ لقمع الأعراب الذين آذوا المسلمين بعد أحد، وتواثبوا على بعوث الدعاة يقتلون رجالها في نذالة وكفران «٢» ، وبلغت بهم الجرأة إلى أن أرادوا القيام بجر غزوة على المدينة.


(١) ابن هشام ٢/ ١٩٠، ١٩١، ١٩٢، زاد المعاد ٢/ ٧١، ١١٠، صحيح البخاري ٢/ ٥٧٤، ٥٧٥.
(٢) كلمة لمحمد الغزالي في فقه السيرة ص ٢١٤.

<<  <   >  >>