ليلا فهبطوا من جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين، غير أن محمد بن مسلمة قائد الحرس اعتقلهم جميعا. ورغبة في الصلح أطلق سراحهم النبي صلّى الله عليه وسلم وعفا عنهم، وفي ذلك أنزل الله وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (٤٨: ٢٤) .
[عثمان بن عفان سفيرا إلى قريش:]
وحينئذ أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبعث سفيرا يؤكد لدى قريش موقفه وهدفه من هذا السفر، فدعا عمر بن الخطاب ليرسله إليهم، فاعتذر قائلا: يا رسول الله ليس لي بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت، فدعاه، وأرسله إلى قريش، وقال: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا، وادعهم إلى الإسلام. وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين، ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفي فيها أحد بالإيمان.
فانطلق عثمان حتى مر على قريش ببلدح، فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذا وكذا، قالوا: قد سمعنا ما تقول، فانفذ لحاجتك، وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص، فرحب به ثم أسرج فرسه، فحمل عثمان على الفرس، وأجاره وأردفه حتى جاء مكة، وبلغ الرسالة إلى زعماء قريش. فلما فرغ عرضوا عليه أن يطوف بالبيت، لكنه رفض هذا العرض، وأبى أن يطوف حتى يطوف رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
[إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان:]
واحتبسته قريش عندها- ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم في الوضع الراهن، ويبرموا أمرهم، ثم يردوا عثمان بجواب ما جاء به من الرسالة- وطال الاحتباس، فشاع بين المسلمين أن عثمان قتل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما بلغته تلك الإشاعة: لا نبرح حتى نناجز القوم، ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على أن لا يفروا، وبايعته جماعة على الموت، وأول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات، في أول الناس ووسطهم وآخرهم، وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال: هذه عن عثمان، ولما تمت البيعة جاء