المسلمين من عهود ومواثيق، وأنهم بعد وقعة بني قينقاع، وقتل كعب بن الأشرف خافوا على أنفسهم، فاستكانوا والتزموا الهدوء والسكوت.
ولكنهم بعد وقعة أحد تجرأوا، فكاشفوا بالعداوة والغدر، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سرا، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين «١» .
وصبر النبي صلّى الله عليه وسلم، حتى ازدادوا جرأة وجسارة بعد وقعة الرجيع وبئر معونة، حتى قاموا بمؤامرة تهدف القضاء على النبي صلّى الله عليه وسلم.
وبيان ذلك أنه صلّى الله عليه وسلم خرج إليهم في نفر من أصحابه، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري- وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة- فقالوا:
نفعل يا أبا القاسم، اجلس ههنا حتى نقضي حاجتك. فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظرون وفاءهم بما وعدوا، وجلس معه أبو بكر وعمر وعلي وطائفة من أصحابه.
وخلا اليهود بعضهم إلى بعض، وسوّل لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم، فتآمروا بقتله صلّى الله عليه وسلم، وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحى، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها؟ ... فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا. فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه، لكنهم عزموا على تنفيذ خطتهم.
ونزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله صلّى الله عليه وسلم يعلمه بما هموا به، فنهض مسرعا، وتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا: نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما همت به يهود.
وما لبث رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن بعث محمد بن مسلمة إلى بني النضير يقول لهم: اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه. ولم يجد يهود مناصا من الخروج، فأقاموا أياما يتجهزون للرحيل، بيد أن رئيس المنافقين- عبد الله بن أبي- بعث إليهم أن اثبتوا وتمنعوا، ولا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان.
وهناك عادت لليهود ثقتهم، واستقر رأيهم على المناوأة، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما
(١) يؤخذ ذلك مما رواه أبو داود في باب خبر النضير ٣/ ١١٦، ١١٧ «عون المعبود شرح سنن أبي داود» .