للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.

فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر، فأخبر عمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعنده عمر، فقال عمر: مر عباد بن بشر فليقتله. فقال: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ لا، ولكن أذن بالرحيل. وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال: لقد رحلت في ساعة منكرة؟ فقال له: أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ يريد ابن أبي، فقال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال:

فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه يرى أنك استلبته ملكا.

ثم مشى بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض، فوقعوا نياما. فعل ذلك؛ ليشغل الناس عن الحديث.

أما ابن أبي فلما علم. أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وحلف بالله ما قلت ما قال، ولا تكلمت به، وقال من حضر من الأنصار: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، فصدقه، قال زيد: فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، فأنزل الله إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ إلى قوله هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا إلى لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فأرسل إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقرأها عليّ، ثم قال: إن الله قد صدقك «١» .

وكان ابن هذا المنافق- وهو عبد الله بن عبد الله بن أبي- رجلا صالحا من الصحابة الأخيار، فتبرأ من أبيه، ووقف له على باب المدينة، واستل سيفه، فلما جاء ابن أبي قال له:

والله لا تجوز من ههنا حتى يأذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء


(١) انظر صحيح البخاري ١/ ٤٩٩، ٢/ ٧٢٧، ٧٢٨، ٧٢٩، وابن هشام ٢/ ٢٩٠، ٢٩١، ٢٩٢.

<<  <   >  >>