الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ... أما بعد:
فإن الفوز في السباق المعاصر بين الأمم يعتمد على قدرتها على تربية أبنائها تربية تنبع من عقيدتها وقيمها وتقي أبناءها من التلوث الفكري، وتتيح لهم حرية التفكير والتعبير والتطبيق في حدود النظم والقيم المرعية، وتستثمر أساليب العصر وتقانته في إطلاق طاقاتهم الإبداعية، وتكون أجيالا لا تقنع باستعياب المعاصر فقط، ولكنها تتطلع أيضًا إلى المستقبل لتسهم في صنعه.
ولقد آن الأوان لأن ننهل نحن المسلمين من تراثنا، ونكف عن اعتبار الفكر الأجنبي المصدر الأفضل لمسيرتنا التربوية؛ لأن هذا فيه ظلم للنفس شديد. فالأولى لنا أن ندرس تراثنا التربوي دراسة علمية ننطلق منها إلى إيجاد سياسة تعليمية خاصة بنا، ومناهج تستجيب لطموحاتنا وتحقق أهدافنا وتستجيب لآمالنا.
نحن في حاجة -أيضًا- إلى وقفة مع مناهجنا الدراسية بعد أن وصل الحال في أمتنا إلى ما وصلت إليه من تخلف. وقفة نتجه فيها بصدق وعزم إلى المحافظة على هويتنا مع الأخذ بأسباب التقدم المعاصر. فنربي أبناءنا تربية إسلامية ونعلم أبناءنا لغتنا وتاريخنا وتراثنا وإسهامنا في الحضارة الإنسانية، وقفة نستعد فيها بالعلم والتقانة للإنطلاق الحضاري. فلم يحدث في التاريخ أن انطلق طير بأجنحة طير آخر، ولا نهضت أمة تجاهلت جذورها وتعلقت بفروع أمم أخرى.
ونقطة الانطلاق إلى هذه الوقفة، من وجهة نظر المؤلف، أن نخطط مناهجنا بناء على عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية مع الأخذ بالمعاصر النافع مهما كان مصدره، والعمل الجاد على مواكبة التقدم العلمي والثقافي المعاصر. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يوجه كل متخصص في مجال معين -وبخاصة العلوم الاجتماعية- هذا المجال، توجيهًا إسلاميا، وإذا كان بعضنا غير مؤهل التأهيل الكافي لهذه المهمة، فلا بأس من الاستعانة -بعد الله- بالزملاء المتخصصين في العلوم الشرعية على إنجازها.
فهم ونحن جنود في ميدان تنشئة أجيال الأمة الإسلامية، ولا بأس من أن نتشاور بل نتتلمذ على بعضنا البعض. وكم طلب المؤلف من إخوته المتخصصين في العلوم الشرعية قراءة ما كان يكتب, فقرءوا -جزاهم الله خيرًا- برحابة
صدر وطيب خاطر، وشاورهم فأشاروا بسعادة، وناقشهم فكانوا سعداء بالاتفاق سعادتهم بالاختلاف. ولذلك فإن لهم من المؤلف جزيل الشكر والامتنان.