للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سادسًا: معوقات سياسية

المعوقات السياسية -إن وجدت- تكون بالغة الأثر على تخطيط المناهج وتطويرها، وعلى العملية التعليمية كلها. من أهم هذه المعوقات عدم وجود سياسة طويلة الأمد للتخطيط التربوي بعامة وتخطيط المناهج وتطويرها بخاصة، خطة لا تتغير بتغير المسئول عن التعليم، فإن غياب هذه السياسة يجعل تخطيط المناهج وتطويرها عرضة للإهمال أو التعطيل أو الإلغاء إذا ما تغير المسئول الذي بدأه. ففي كثير من الأحيان قد يحاول المسئول الجديد أن يبرهن أنه يصحح أخطاء وقعت، وأنه يبدأ تطويرًا جديدًا على أسس علمية سليمة. وفي سبيل تحقيق هذا، قد يهمل أو يلغي البرامج التربوية التي استحدثت في عهد سلفه، مرة بحجة أنها لا تتمشى مع قيم المجتمع ومرة بحجة أنها لا تساير التقدم المعاصر، وثالثة بحجة أنها لا تحتل الدرجة الأولى من الأهمية، وأن أمورًا أكثر منها أهمية مهملة، ومن ثم فهي أولى بالاهتمام فيستبدل الثانية بالأولى. ومهما كانت الأسباب، فإن النتيجة هي ضياع مال الدولة وجهد علمائها وتعطيل مسيرتها التربوية، وما كان لهذا أن يحدث لو وجدت سياسة طويلة الأمد للتطوير التربوي يلتزم وزراء التربية والتعليم بتنفيذها بغض النظر عن شخص الوزير، وبكل أسف فإن سياسة التخطيط التربوي طويلة الأجل ليست أسلوبًا مستقرا في معظم بلادنا الإسلامية، وهذا يعيق التقدم التربوي في هذه البلاد.

ومن المعوقات المهمة أيضًا اتخاذ القرارات الخاصة بالتعليم لتحقيق أهداف سياسية، كأن يتخذ قرارا بتخفيف المناهج أوشروط القبول في مرحلة أو أكثر من مراحل التعليم إرضاء للطلاب وأولياء أمورهم أو تغطية لمشكلات أخرى مثل التخلف الاقتصادي، أو التفكك الاجتماعي أو غيرها. ومن المعوقات الخطيرة فتح أبواب القبول في التعليم النظري على حساب حاجة البلاد إلى الخبرات العملية بسبب قلة تكلفة التعليم النظري عنها في الكليات العملية أو لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن للالتحاق بالتعليم الجامعي إرضاء للجماهير. هذه كلها تسبب مشكلات تربوية وتعيق تقدم المجتمع.

ومن المعوقات السياسية -أيضًا- أن يتخذ المسئول السياسي قرارًا بتغير نظام التعليم أو خططه أو مناهجه نقلًا عن دولة متقدمة، أو نتيجة لخبرة شخصية، كأن يزور المسئول دولة متقدمة، ويرى أثر التقدم فيها فيقرر التحول إلى نظامها التعليمي أو تطبيق مناهجها, دون دراسة علمية تجريبية تكشف عن مدى مناسبة هذا لقيم المجتمع وحاجاته ومرحلة تطوره، وملاءمته لقدرات المتعلمين ومتطلبات نموهم, وتعديله بعد أن يوضع موضع التجريب قبل تطبيقه، فإذا تخطى القرار السياسي كل هذا أو بعضه فإنه يتسبب في إعاقة تخطيط المناهج والتخطيط التربوي على وجه العموم. وقد يتحيز المسئول السياسي لنظام تعليمي معين، أو مناهج بذاتها بسبب سابق دراسته لها داخل بلاده أو خارجها، وتصوره أنها أفضل من المطبق حاليًا، فيتخذ قرارًا بتطبيقها دون أن تجري عليها الدراسات اللازمة. مثل هذه المواقف تكون من معوقات التخطيط العلمي للتعليم عمومًا وتخطيط المناهج على وجه الخصوص، رغم توافر حسن النية فيها.

<<  <   >  >>