للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولًا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي

يواجه التخطيط التربوي بعامة وتخطيط المناهج بخاصة مشكلات كثيرة، إلا أنه رغم أهمية التخطيط التربوي البالغة، فإن القصور فيه قد لا يلاحظه الكثيرون.

فمثلًا قد يكون تخطيط المنهج سيئًا ومن ثم يؤدي إلى منهج معيب، ولكن الطلاب يذهبون إلى دور التعليم كل يوم ويجيئون، والمعلمون يعلمون، والموجهون يوجهون، والمديرون يديرون، وكل في فلك يسبحون، وليس هنا مؤشر واضح الدلالة -للعامة- إن كان هؤلاء جميعًا يرتقون بعملهم أم يهبطون به, أو أنهم ينفذون منهجًا سيئا. بل، قد يستفرغ هؤلاء جميعًا طاقتهم بكل إخلاص، ومع هذا لا يحسنون بقدر ما يبذلون؛ لأنهم ينفذون منهجًا سيئًا.

ولا يدرك الحاجة إلى تخطيط منهج جديد في الوقت المناسب، إلا من لديهم علم وخبرة بالتقويم التربوي. فالمنهج ليس مبنى سوف تظهر فيه شروخ وتشققات حين يصيبه القدم والبلى، ولا هو بجسر سوف ينهار حين يصبح غير قادر على تحمل الأحمال التي بني لحملها، فالمبنى والجسر يتضح حالهما للعيان وتظهر سوءاتهما لكل ذي عينين، أما المناهج لا تتشقق ولا تنهار، بل قد تظل تشغل المعلمين والمتعلمين والموجهين وغيرهم عقودًا -رغم عدم صلاحها- كما لو كانت تتصف بالكفاءة والتميز.

وفي النظم التربوية المتخلفة قد لا تتضح عيوب المنهج إلا بعد أن يتخرج به عدة أجيال غير صالحة، أي: بعد أن تنزل بالمجتمع قارعة التخلف عن ركب التقدم الحضاري. نظرًا لإثقال كاهلة بمتعلمين غير قادرين على قيادته في خضم التقدم بسبب تخلف خبرات المناهج التي تعلموها. ويصحب هذا التخلف أقرباؤه، وأحباؤه من الأمية الوظيفية والبطالة المقنعة والجهل بمعطيات العصر، وما تنبت كل من هذه المشكلات من براعم نامية في شجرة التخلف، ومن ناحية أخرى، فإن الآثار الإيجابية للمنهج الدراسي الجيد لا تظهر إلا بعد حين؛ ولذلك، قد لا يتحمس له كثيرون. فمع الخطورة البالغة لتدني مستوى التعليم بعامة، ومستوى المناهج على وجه الخصوص، فإن كثيرًا من متخذي القرار في الدول النامية لا يعطونها الأولوية في اهتماماتهم.

فكما هو الحال الآن، فإن هذه الدول تعاني من التخلف الاقتصادي ومن ثم لا مفر لها من أن ترتب أبواب الإنفاق في ميزانياتها حسب الأهمية التي تقدرها. وفي غالب الأحايين، لا يأخذ التعليم بعامة وتحديث المناهج بخاصة، الموقع المناسب لأهميتها.

وهذا يعود -بالدرجة الأولى- إلى رغبة هؤلاء في ثمار عاجلة لما ينفقون، وثمار تطوير التعليم تكون آجلة؛ لأنها تعنى باكتساب الفرد الخبرات على مدى مسيرته

<<  <   >  >>