للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: حث المسلم على العمل بقدر طاقته

قبل أن أتناول هذا الموضوع بالتحليل أرى أن أستعرض موقفًا له دلالته في تصور غير المسلمين عن قيمة العمل في الإسلام، انعكاسًا من أعمال المسلمين أنفسهم.

قابلت رجلًا أمريكي الجنسية -في أحد الأسفار- عمل في إحدى البلدان العربية عدة سنوات، ودار بيننا حديث في موضوعات شتى، وودت أن أعرف إن كان قد تعلم من اللغة العربية شيئًا في أثناء إقامته هناك، فسألته عما تعلمه منها فقال: "إن شاء الله" فسألته، وماذا تعني: "إن شاء الله"، قال: عندما تريد أن تؤجل عملًا إلى أجل غير مسمى، تقول: "إن شاء الله".

فهل هذا السلوك الذي عبر عنه الرجل يتفق مع منهج الإسلام؟ صحيح أن خبرة الرجل تعتبر خبرة خاصة، ولكننا نعرف أن ما عبر عنه ليس نادرًا، بل نجد له وجودا في الكثير من بلاد المسلمين في الوقت الحاضر.

هذا رغم أن العمل وفق الدين الإسلامي -مع إخلاص النية لله وصحة المنهج- عبادة. وإن القرآن الكريم ليقرن العمل الصالح في كثير من آياته بالإيمان. وهذا يضع العمل الصالح في مرتبة عالية، إذ إنه دليل على صدق الإيمان بالتطبيق العملي في واقع حياة المسلم خاصة وجماعة المسلمين عامة.

وتصل قيمة العلم في الإسلام مداها حين توجه الرسول الخاتم -صلى الله عليه وسلم- المسلم ألا يكف عن أداء العمل حتى ولو قامت القيامة.

وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها، فله بذلك أجر". "رواه أحمد في مسنده".

ولقد كانت حياة محمد عليه الصلاة والسلام مدرسة في العمل الجاد المتواصل. فقد عمل في التجارة، ورعي الغنم. وكان يرتق ثوبه بنفسه، ويخصف نعله بنفسه، وكان يشارك أصحابه فيما يقومون به من أعمال. وفي غزوة الخندق -على سبيل المثال- كان يضرب بمعوله مشاركًا في حفر خندق يحمي جيش المسلمين والمدينة من الجيوش الغازية.

والقصص القرآني يضرب الأمثال الكثيرة لعمل الأنبياء والرسل. فهذا نوح -عليه السلام- يعمل في بناء السفن التي ركبها هو ومن معه من المؤمنين, وهذا موسى يعمل أجيرًا لدى شعيب عليهما السلام. وهذا داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده. وهذا يوسف كان يعمل لدى فرعون.

<<  <   >  >>