للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونستبين قيمة العمل في الإسلام من توجيه الله لمريم البتول -وهي في المخاض؛ وهو حال وهن وضعف وخوار قوة- يأمرها ربها وهي على هذا الحال بأن تهز إليها بجذع النخلة فتساقط عليها رطبًا جنيًا لتأكل وتشرب، هذا مثل مبين لقيمة العمل في الإسلام، فمع قدرة الله على أن ينزل على مريم الرطب الجني دون عناء منها, وهي المجهدة بمخاض وليدها إلا أنه -سبحانه وتعالى- يأمرها بأن تبذل جهدًا في هز النخلة -بحوله وقوته- كي تحصل على ما تتقوى به على ما هي فيه.

مما سبق يتضح لنا نحن المسلمين مدى عناية الدين الحنيف بالعمل الصالح. كما يتضح لنا أن العمل من أسس الحياة وفق منهج الدين الإسلامي، ففي كتاب الله الكريم نجد الأنبياء والرسل, وقد ضربوا الأمثال في العمل بأنفسهم حتى يكونوا لنا قدوة، ويبين القرآن لنا أن العمل أساس الحياة وأن الإحسان فيه طريق للمثوبة والأجر.

والعمل في الإسلام له خصائص ثابتة. الخاصة الأولى منها أنه لا بد من أن يؤسس علي النية. بمعنى أن يخلص المسلم النية لله -تعالى- في عمله: فقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى, من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى امرأة ينكحها أو دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه". "متفق عليه".

والخاصة الثانية هي الأخذ بالأسباب التي تنجز العمل وعلى رأسها التزود بالعلم والتقنية. وهذا يعني أن يؤهل الإنسان نفسه بالعلم والخبرة واكتساب المهارات اللازمة لأداء العمل. ولا يتواكل على أحد أو ظروف قد يتوقعها أو بدعوى التوكل على الله. مثل الأعرابي الذي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: لقد تركت ناقتي على باب المسجد, وتوكلت على الله. فقال له الرسول -عليه الصلاة والسلام: "اعقلها وتوكل". وهذا يعني أنه لا بد من أن يأخذ الإنسان بالأسباب في كل عمل. ففي الغزوات والحروب -على سبيل المثال- كان المسلمون يأخذون بأسباب النصر من إعداد القوة البشرية والسلاح والعتاد والتزود بالعلم عن فنون القتال وتقنيته، وفي شئون العبادة, وكانوا يجتهدون فيها ويستبقون خيراتها.

والخاصة الثالثة للعمل في الإسلام الإحسان، وهذا يعني أن المسلم ينبغي أن يستفرغ الطاقة في أداء عمله. والإحسان هنا يشمل أشياء كثيرة مثل بذل الطاقة في البحث عن المصادر, وحسن استخدامها, والمهارة في التحليل والاستخلاص والتفكر والتدبر والإبداع, وتوظيف الطاقة الجسمية في بذل الجهد, والصبر في الطلب والمثابرة في المتابعة, والطاقة النفسية في حب التضحية واستمرار الدافعية واستنهاض القدرات والاستعدادت والمواهب.

<<  <   >  >>