للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى وجه العموم، فإن العمل وارتفاع مستوى الإنتاج فيه من العوامل الفارقة بين الأمم. فالأمم المتقدمة تهيئ الفرص لأبنائها للعمل والإنتاج والإحسان فيه وفي تطبيقه, وتعدهم الإعداد اللازم لذلك، فتزودهم بالخبرات المناسبة لمجال العمل الذي سوف يمارسونه، وتتابع تأهيلهم بالتدريب المستمر. ومن لم يسر على هذا الدرب من الأمم تخلف وصار من القاعدين.

وفي عالمنا المعاصر لم تعد الخبرات المؤهلة -اليوم- لعلم ما مؤهلة له -بالضرورة- في الغد القريب أو البعيد. فالمستحدثات العلمية والتقنية تغشى مختلف مجالات الأعمال. ولما كان التقدم فيها يتسارع تسارعًا غير مسبوق فإن مواكبة التنمية البشرية المتكاملة لهذا التسارع أضحت أمرًا لا غنى عنه؛ لإنهاض المجتمعات والسير بها نحو التقدم المنشود. وهذا يوضح ضرورة التلازم بين العلم والعمل من حيث كونهما ركيزتين للانطلاق والتقدم.

هذا التلازم قرره الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا خلت. فاشترط أن يكون العمل مسبوقًا بالنية الخالصة لله، وأن تكون النية مسبوقة بالعلم. فمن الأمور المسلم بها ألا يقدم الإنسان على عمل، ما لم يكن لديه معلومات عن هذا العمل تكون اقتناعًا عنده بضرورته وأهميته فيجد لديه دافعًا ذاتيا لإنجازه على أفضل وجه مستطاع.

ويتضح فضل العلم وسبقه على القول والعمل في الخطاب الموجه للرسول الكريم في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: ١٩] .

والخاصة الرابعة للعمل بعد إخلاص النية, والأخذ بالأسباب واستفراغ الطاقة في هذا العمل، هي التوكل بمعنى أن أداء العمل لا يعني بالضرورة تحقيق الهدف الذي يتغياه المسلم, فقضاء الحوائج وتحقيق أمر أم عدم تحقيقه يرجع إلى مشيئة الله وإرادته. فقد ورد في محكم الكتاب: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣, ٢٤] .

ولقد بدأت رسالة محمد -عليه الصلاة والسلام- بالأخذ بأسباب العلم، فأول آية أنزلت عليه هي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ١-٥] .

<<  <   >  >>