للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢] .

ونلاحظ أن الخطاب هنا للناس جميعًا، ولا شك أن قيمة العلم هي في مدى أثره في حياة الناس بالتطبيق العملي، ولا شك أيضًا أن النصوص وحدها لا تضع شيئًا، وأن المبادئ وحدها لا تعيش إلا إذا تحقق آثارها في حياة الناس.

ويفصل هذا إجرائيا مصطفى عبد الصادق، في قوله:

إن الإسلام وتعاليمه ارتبط بالسلوك من اللحظة الأولى، فمن اللحظة التي يؤمن فيها الإنسان بأن الله واحد، وهو خالق الكون ومصدر النعم وإليه المصير، وبيده الحساب.... من تلك اللحظة يتبدل سلوك الإنسان فلا يسجد لصنم ولا يشهد الزور ولا يأكل الربا ... إلخ، بل يتحمل -في سبيل ذلك- العذاب الأليم، ولا يرجع عن الحق، ومن هنا نجد أن العلم الإسلامي ارتبط بالحياة العملية للناس؛ وذلك لأن الدين والحياة في الإسلام لا يفترقان "٤، ١٢٤" فالعلم في الإسلام له أهداف محددة أهمها أن يحقق به الإنسان العبودية لله تعالى، وأن يحقق به تطبيق منهجه في الحياة: حياة الفرد وحياة الجماعة، والحياة في المجتمع على وجه العموم، ويوظف العلم فيما ينفع الناس, ويجعل كلمة الله هي العليا, ويمكن لدين الله في الأرض, ويهيئ للناس كلهم التقدم والرفاه, وهذا يخالف ما يتصوره البعض -خطأ- من أن العلم الإلهي يتعلق بالعبادات فقط وربما بالأخلاق، أما العلوم المتعلقة بالكون وربما بالحياة الدنيا فهي من صنع الإنسان.

فالله سبحانه وتعالى، خلق الإنسان وأودع فيه العقل والفؤاد والبصر والسمع وغير ذلك من وسائل اتصال الإنسان بالعالم الخارجي، وأمره بأن ينظر، ويتفكر، ويتدبر ليصل إلى بديع خلق الله في نفسه وفي الكون. وبهذا فإن الله قد أمد الإنسان بوسائل البحث في ذاته وفيمن حوله وما حوله من حيوان ونبات وطير وجماد وأنساق من المجرات والنجوم والنيازك، وتكامل بين عناصر الكون وغير ذلك من المشهود أمامه.

والله هو الذي استخلف الإنسان في الأرض وأمره بعمارتها. وهذا الاستخلاف ليس مطلقًا، وتلكم العمارة ليست بدون قيود، بل يحكمها منهج أنزله -الله سبحانه- ليطبقه الإنسان في حياته الدنيا في مختلف شئونها بما في ذلك اكتساب معارف وخبرات جديدة في أثناء كدحه لعمارة الأرض إنفاذا لأمر الله.

<<  <   >  >>