للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨]

بناء على ما سبق، فإن جميع العلوم سابقها وحاضرها وغائبها لها أصل في كتاب الله -القرآن الكريم- ومن ثم فإن تصحيح مسار هذه العلوم من وجهة النظر الإسلامية تعني العودة بها إلى أصلها الذي انفصلت عنه.

والذين لا يوافقون على هذا المصطلح يرون أن كلمة التأصيل تعني "العودة إلى الأصل" وهذا يعني أن جميع العلوم مثل الكيمياء والرياضيات وعلوم الحاسب الآلي وعلوم الفضاء والعلوم الاجتماعية لها أصل في القرآن. وهذا غير صحيح؛ لأن القرآن ليس كتابًا منزلًا في أي من هذه العلوم بل هو كتاب هداية يهدي -من بين ما يهدي إليه- إلى النظر إلى الكون -خلق الله المنظور- لللتدبر والتفكر في بديع صنعه, وإعمال العقل في الكشف عن كوامن خلقه، وصولًا إلى العلم اليقيني بوحدانيته والاعتراف بقدراه المتفردة، وللعمل على الوفاء بتكليفه للإنسان بعمارة الأرض. وبناء عليه، فإن اعتبار وجود أصل لكل علم في القرآن أو السنة أو غيرهما من مصادر الدين الحنيف أمر فيه نظر.

والذين يستخدمون "التوجيه الإسلامي للعلوم" -والمؤلف منهم- يرون أن الإسلام دين محيط بالحياتين الدنيا والآخرة وشامل لجميع جوانب حركة الإنسان, بالمعنى الذي تؤدي هذه الإحاطة وهذا الشمول إلى صلاحه لكل زمان ومكان.

وأن هذه الإحاطة الجامعة المانعة وهذا الشمول المستقصى يرجع إلى أن القرآن يحوي مبادئ عامة وقضايا كلية، تهدي الإنسان وتوجه حركته إلى اتباع منهج الله في جميع جوانب حياته سواء بالنسبة للعقيدة أو الشريعة أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق، وفي جميع ما يقول وفي جميع ما يعمل.

وبناء عليه، فإن اصطلاح "التوجيه الإسلامي للعلوم" ينطلق من هذه المبادئ العامة, وتلكم القضايا الكلية ليحقق خاصة صلاح الإسلام لكل زمان ومكان, مهما تغيرت العلاقات بين عناصر الكون بتغير الأزمنة والأمكنة كما, يحقق عدم تعارض الحقائق الدينية في كتاب الله المسطور -وهو القرآن الكريم- مع الحقائق الكونية في خلق الله المنظور، وهو الكون.

والذين لا يوافقون على مصطلح "التوجيه الإسلامي للعلوم" يرون أنه يتعلق بعلوم كائنة فعلًا، ويخشون ألا يمتد إلى استنباط هذه العلوم أو اكتشافها، وألا يتعرض لبنيتها والعلاقة بين عناصرها. وهذا تخوف لا مجال له، ومن وجهة نظر المؤلف إذا رجعنا إلى تعريف مفهوم "التوجيه الإسلامي للعلوم" الذي تخيرناه سابقًا من حيث إنه تأسيس للعلوم المراد توجيهها على ما يلائمها في الشريعة الإسلامية من أدلة وقواعد كلية واجتهادات مبنية عليها. وأن هذه العملية تتناول أسس هذه العلوم ومنطلقاتها بحيث لا تتعارض في تحليلاتها ونتائجها وتطبيقاتها مع الأحكام الشرعية. وغني عن القول أن هذا ينطبق على جميع العلوم السابقة منها واللاحقة.

<<  <   >  >>