أن يكون الإنسان ذا عقل ناضج، وأن يكون أمامه بدائل يختار من بينها، وأن يكون الموقف مهيأ لتنفيذ قرار الاختيار بعد اتخاذه. وفي ذلك يقول الشيخ الشعراوي:
" ... إذن، ففي المنطقة التي يعرض فيها الفعل على العقل، يفعل أو لا يفعل, فتلك هي المنطقة التي يوجد فيها الاختيار، وهي منطقة التكليف من الله".
ويضيف قوله:
"إذن، فربط التكليف بالعقل وجودًا ونضجًا يدل عى أن مهمة التكليف هي في الأمر الاختياري الذي يجد الإنسان فيه بديلان: "يفعل" أو "لا يفعل" "٦، ٢١٣".
فالإنسان بما وهبه الله من قدرة على التفكير، وقنوات الاتصال بالعالم من حوله وبصيرة ينفذ بها إلى كبد الحقيقة، يستطيع أن يختار بين الخير والشر، وبين أن يفعل أيهما في وقت ما أو مكان ما، أو لا يفعل. فمثلًا، يختار من بين أنواع الطعام والشراب واللباس، ويختار من مساقات التعليم وأنواعه، ويختر من بين الوظائف، ويختار من بين النساء زوجة, ويختار من بين الرجال صديقا, ويختار من بين المساكن سكنًا.
وهناك أمور أخرى لا خيرة للإنسان فيها، فهو بالنسبة لها مسير. فالإنسان لا يستطيع أن يختار تاريخ ولادته أو وفاته، ولا يختار المثول لعذاب القبر أو أن يتجاوزه، ولا أن يدخل الجنة وهو يعمل عمل أهل النار، ولا أن يختار لنفسه لنفسه درجة للحرارة معينة، ولا عددًا معينا لضربات قلبه، ولا يستطيع أن يغير من عدد آذانه أو عيونه أو أنوفه أو ألسنته. كما أنه لا يستطيع أن يختار أمه أو أباه أو أخاه أو أخته، ولا بقية أصلابه أو أرحامه. فهذه الأمور جميعها لا سبيل للإنسان أن يختار فيها، فمنها ما هو فوق قدرة الإنسان مثل عذاب القبر وتاريخ الوفاة. ومنها ما هو من الأنساق الحيوية التي خلقها الله في توازن وتكامل يسهم في استمرار الحياة، ومن ثم أخرجها عن نطاق اختياره، بل إن تدخل الإنسان فيها يكون بهدف تثبيتها على النسق الذي خلقها الله عليه، مثل درجة الحرارة ودقات القلب وعمل كل من الجهاز الهضمي والجهاز العصبي وبقية أجهزة جسم الإنسان، ومنها ما لا تستقر حياة الفرد والمجتمع إلا باستقراره مثل اختيار الأصلاب والأرحام.
ولكن توجد درجة من الحرية لاختيار الإنسان تتعلق بما هو مسير فيه. فمثلًا إن كان الإنسان لا خيار له بالنسبة لفترة حياته فهو مخير في أن يعمل خيرًا أو شرا