للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدين المسيحي، وقد كانت هذه الحملة الأولى بمثابة حملة استطلاعية مهدت السبيل للحملات التي أتت بعدها، ففقدت المسيحية بخروج الأحباش سندا قويا لها، كما أن ملوك حمير الذين لجأوا إلى يثرب إبان العزو الحبشي تأثروا بالديانة اليهودية التي كانت منتشرة فيها آنذاك١.

ويذكر نقش: أن ملك كرب الذي طرد اليهود كان يعبد "ذي سماوى بعل السماوات والأرض" مما قد يستنتج منه أن اليمنيين في هذه الفترة كانوا يؤمنون بإله عظيم هو: "ذي سماوي" رب السماوات والأرض إلا أنهم لم يتركوا آلهتهم الأخرى، كما أنهم لم يدينوا باليهودية التي تسمى إلهها "يهوه" لا بعل كما يدعوه هذا النقش٢.

ويبدو أن: "أبو كرب" قد وصل لنوع من السيادة على يثرب، ومن غير البعيد أنه كان يتعاون مع اليهود من سكانها ضد الأحباش والنصارى.

وقد خلفه: شرحبيل يعفر، الذي بنى بعض الأجزاء الخربة من سد مأرب سنة ٤٥٠م، ثم تعاقب على حكم اليمن ملوك ليس لهم أعمال هامة حتى جاء "ذو نواس" الذي كان شديد التعصب على المسيحية وأراد اجتثاثها من اليمن، فطلب من النصارى ترك دينهم، ولما رفضوا أحرقهم في أخدود حفره لهم، وهذه الحادثة مذكورة في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} إلى {إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد} ٣، وكان الكثير من المؤرخين حتى فترة قريبة يرون أن سبب اضطهاد "ذي نواس" للنصرانية هو: تعصبه الديني؛ إذ إنه كان يدين باليهودية وهو متعصب لها؛ قد يكون هذا التعصب أحد الأسباب التي دعت "ذا نواس" لفعل ما فعل؛ ولكن هناك أسباب أخرى لاضطهاده للنصارى منها: أن المسيحية في الشرق كانت تحت حماية "بيزنطة" والحبشة وانتشارها يعني ازدياد نفوذ هاتين الدولتين في


١ السابق ص١٠٢.
٢ السابق ص١٠٣.
٣ سورة البروج ٤-٨.

<<  <   >  >>