إن الحجاز -بعكس الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة- أمضى قرونا طويلة من حياته في القديم، وهو في شبه عزلة عن العالم المتمدن؛ اللهم إلا بعض ما كان له من نشاط تجاري.
فجدب الحجاز وقساوة إقليمه، وصعوبة الوصول إليه، ووعورة مسالكه.. كلها كانت عوامل في إبعاد الفاتحين العظام في التاريخ القديم عن غزو هذه البقعة من الجزيرة العربية أو محاولة ضمها إلى إمبراطورياتهم.
لهذا: كله، عاش الحجاز حياته الخاصة بعيدًا عن أضواء السياسة العالمية والاحتكاك بالدول؛ وظل أهله على بداوتهم، وارتحالهم إلا في القليل النادر، حيث نشأت بعض المدن التي كان أهمها:"مكة".
وقضية البداوة لها دور هام وبارز في الإطار العام لحياة الحجاز في فترة ما قبل الإسلام.
والاقتصاد البدوي القائم على الارتحال مع قطعان الماشية، من أجل البحث عن مواطن الكلأ والماء هو اقتصاد الحجاز في هذه الفترة؛ لأنه ما عدا بعض المدن "مكة، المدينة، الطائف" التي كانت كجزر صغيرة في خضم صحراوي كبير؛ كان الارتحال هو ناموس الحياة ومحورها الأساسي.
وكما هو معلوم فإن الحياة البدوية تعتمد على تربية الماشية، وبصورة خاصة "الجمال" كأساس في نشاطها اليومي، وكناظم لتحركها، وأسلوب معيشتها.
ولما كان تدبير الكلأ، والماء لهذه المواشي هو الشغل الشاغل للناس، فإن التنقل وعدم الاستقرار أديا إلى عدم قيام حضارة مستقرة على أرض الحجاز القديم، وما عدا بعض الواحات وبعض المنبسطات الخصبة في الجبال فإن أرض الحجاز لم تكن صالحة للزراعة، ولا تبنت إلا أعشابا، وشجيرات، تستسيغها الماشية بشكل عام، والجِمال بشكل خاصّ.
وكان محصول النخيل أهم محصولات الواحات، أما في المناطق الجبلية المثمرة، كالطائف مثلًا، فقد كان الحبوب تنتج بكميات محدودة، لا تكفي للاستهلاك المحلي.