الفرقة الأولى: أصحاب الروحانيات: وقد يقال ذلك بالرفع أخذا من الروح وهو جوهر. وقد يقال بالنصب وهو حالة خاصة به. وقد زعم هؤلاء أن أصل وجود العالم يتقدس عن سمات الحدث وهو أجل وأعلى من أن يتوصل إلى جلاله بالعبودية له والخدمة من السفليات وذوات الأنفس المنغمسة في عالم الرذائل والشهوات، وإنما يتقرب إليه بالمتوسطات بينه وبين السفليات وهي أمور روحانية مقدسة عن المواد الجرمانية "نسبة إلى الجرم" والقوى الجسمانية والحركات المكانية والتغيرات الزمانية في جوار رب العالمين. وهم مجبولون على تقديسه وتمجيده وتعظيمه دائما وسرمدا. قالوا: وهم آلهتنا وأربابنا ووسائلنا إلى حاجاتنا وبهم يتقرب إلى الله تعالى. وهي المدبرة للكواكب الفلكية والمديرة لها على التناسب المخصوص حيث يتبعها انفعالات في العناصر السفلية وحركات بعضها إلى بعض وانفعال بعضها من بعض عند الاختلاط والامتزاج المفضي إلى التركيب الموجب؛ لتنوع المركبات إلى أنواع المعادن والنباتات والحيوانات وتصريف موجودات الأعيان من حال إلى حال ومن شأن إلى شأن إلى غير ذلك من الآثار العلوية والسفلية. وزعموا أن الكواكب الفلكية هي هياكل هذه الروحانيات وأن نسبة الروحانيات إليها في التقدير لها والتدوير، نسبة الأنفس الإنسانية إلى أبدانها وأن لكل روحاني هيكلا يخصه ولكل هيكل فلكًا يكون فيه. وزعموا أن المعرف لهم "غارميون وهرمس" اللذان هما أصل علم الهيئة وصناعة النجامة. وهرمس هو أول من قسم البروج ووضع أسماءها وأسماء الكواكب السيارة ورتبها في بيوتها وبين الشرف والوبال والأوج والحضيض والمناظر والتثليث والتسديس والتربيع والمقابلة والمقارنة والرجوع والاستقامة والميل والتعديل، واستقل باستخراج أكثر الكواكب وأحوالها، وقيل إن غارميون هو شيث وهرمس وهو إدريس "عليه السلام". الفرقة الثانية: أصحاب الهياكل: أنهم قالوا: إذا كان لا بد للإنسان من متوسط فلا بد من أن يكون ذلك المتوسط كما نشاهده ونراه حتى نتقرب إليه، والروحانيات ليست كذلك فلا بد من متوسط بينها وبين الإنسان، وأقرب ما إليها هياكلها؛ فهي الإله والأرباب المعبودة والله تعالى رب الأرباب وإليه التوسل والتقرب، فإن التقرب إليه =