للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الراهب]

هو المتبتل المنقطع إلى العبادة وعمله هو الرهبانية، وقد ذكر بعض علماء اللغة أن الرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة، وقد ذكرت الرهبانية في القرآن الكريم، وذكرت في الحديث. وقد نهى عنها الإسلام: لا رهبانية في الإسلام. وقد ندد القرآن الكريم كثيرًا من الأحبار والرهبان فورد: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} ١، ومن عادات الرهبان وتقاليدهم التي وقف عليها أهل الجاهلية الامتناع عن أكل اللحوم والودك أبدا أو أمدا، وحبس النفس في الأديرة والصوامع والكهوف، والاقتصار على أكل الصعب من الطعام والخشن من الملبس، ولبس السواد والمسوح، وهي عادة انتقلت إلى الأحناف أيضا وإلى الزهاد من الجاهليين الذين نظروا نظرة زهد وتقشف إلى هذه الحياة، كما كانوا لا يهتمون بشعورهم فكانوا يطلقونها ولا يعتنون بها، ولذلك كانت شعورهم شعثا، وعبر عن الراهب بالأشعث؛ لأنه كان يطلق شعر رأسه ولا يحلقه ولا يعتني به٢.

وقد نهى الرسول بعض الصحابة -مثل عثمان بن مظعون- وهو من النصارى في الأصل من تقليد الرهبان في الإخصاء وفي الامتناع عن الزواج ومن التشدد في أمورٍ أحلها الله للناس. ويظهر أن هذا التشدد إنما جاء إليه وإلى أمثاله من وقوفهم على حياة الرهبان وعلى رأيهم وفلسفتهم بالنسبة لهذه الحياة، وفي حق هؤلاء نزل الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} [المائدة: ٨٧] .

وذكر أن الرسول لما سمع بابتعاد "عثمان" من أهله دعاه، فنهاه عن ذلك ثم قال: "ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم: ألا إني أنام وأقوم وأفطر وأصوم وأنكح النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"، فنزلت الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} إلخ.

يقول لعثمان: لا تجبّ نفسك فإن هذا هو الاعتداء.

وورد في الحديث: "لا صرورة في الإسلام"، والصرورة التبتل وترك النكاح؛ أي ليس ينبغي لأحد أن يقول: لا أتزوج؛ لأن هذا ليس من أخلاق المسلمين بل هو من فعل الرهبان٣.


١ المفصل جـ٦ ص٦٤٣، وراجع الآيات -التوبة آية ٣٤، المائدة آية ٨٢، الحديد آية ٥٧.
٢ المفصل جـ٦ ص٦٤٤، ص٦٤٥ تفسير الطبري ٧/ ٨، أبو السعود ٤/ ١٤١.
٣ المفصل جـ٦ ص٦٤٥، ص٦٤٦، الطبري ٧/ ٦ روح المعاني ٧/٧.

<<  <   >  >>