ينازعنا القوم في محاولتنا الإدلاء برأي يحدد بوجه تقريبي تاريخ ابتداع قريش تحمسهم.
يغلب على ظني أن ابتداع مذهب الحمس القرشي كان قبل غزو أبرهة للبيت؛ لأن مذهب الحمس يؤكد على عصبية قريش القبلية، وكانوا يرون في ذلك امتيازا طبقيًّا "فليس لأحد من العرب مثل حقنا" فلا يساوي الحرم وساكنوه بالحل وساكنيه، وقالوا بعضهم لبعض:"إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمتكم"، واقتضاهم رأيهم في تحمسهم أن يخرجوا فيه عن بعض دين إبراهيم، "فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر ومناسك الحج ودين إبراهيم".
فتألههم العصبي "العرقي" جرفهم عن الالتزام بدين إبراهيم.
وكما أنهم خرجوا بتحمسهم عن دين إبراهيم؛ ليرفعوا عصبيتهم على دينهم فرضوا تحمسهم على العرب، "فحملوا على ذلك العرب فدانت به"، وكان من نتائج ذلك على العرب وقريش أن اعتبر العرب أن مسئولية البيت تقع بالدرجة الأولى على قريش، وظهر ذلك عندما سأل أبرهة عن سيد أهل هذا البلد وشريفها، فقيل له: عبد المطلب فلما جاء إليه عبد المطلب سأله أن يرد إليه الإبل قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟! قال له عبد المطلب: الإبل لي والبيت له رب يحميه.
هذا يعني أن قريشًا عزلت نفسها والبيت عن العرب، كذلك مر حديث أبرهة وغزوه للبيت لدى كتاب السير، كما لو كان الأمر مكيدة لعبد المطلب وبيته فقط، فلم يتحرك له العرب وهم أشعلوا الحروب القبلية أو بين القبيلة الواحدة لأتفه