طرح العرب قديما قضية "علاقة الرسول بالأديان السابقة" على بعثته إبان دعوته التي دونها القرآن ورد عليها وكان أهم ما يبغون من ورائها دعوى: "بشرية القرآن".
وتعني بشرية القرآن من حيث السند التاريخي: عزوه إلى تاليف محمد أي أن القرآن من وضع بشري. وليس من قول إلهي، وتعني القضية أيضا أن محمدا ليس برسول لكنه هو مفكر استطاع أن يؤلف القرآن.
هذه هي جوانب قضية "بشرية القرآن". سجلها القرآن، على أنها دعوى مفتراه من العرب على الرسول في قوله تعالى:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} ١، هذه الآية على قصرها تناولت القضية شكلًا ومضمونًا، دعوى وردًّا عليها حين قالت:{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَر} هذه هي الدعوى، أما الرد عليها فجاء تاليا بعدها مشارًا إليه في الآية ذاتها في قوله تعالى:{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} .
فالدعوى والرد عليها من قبل القرآن أفادانا من حيث الجانب التاريخي: أنها قديمة منذ أن بلغ الرسول رسالته وقام بعبء الدعوة إليها. كذلك تفدينا من جانب آخر أن القضية حين سجلها القرآن -ونحن نعلم أن القرآن كتاب عالمي، لا يختص بزمان ولا بمكان ولا بأمة- كان معنى ذلك أن تسجيلها إنما هو تسجيل للرد على تلك القضية، قضية "بشرية القرآن"، وعلى العقل الإنساني -أنى وجد وحيثما اتفق- أن يدرس تلك الدعوى على الرسول، فالقرآن سجلها؛ ليعين المسلم وهو بصدد التيارات الفكرية على أن يدفع تلك القضية؛ لأن القرآن دافع عنها، ثم هي في النهاية تصيب صميم دينه هذا ما تعنيه قضية بشرية القرآن بشكل عام.
أما شكلها التفصيلي -وهو موضوع الدراسة- فإنه يحتاج إلى تسطيح القضية