للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تعقيب]

أما عن تحليلنا لهذه الرمزيات فيكون من خلال أثرها على العربي وتأثيره عليها، فحينما أبدعها خياله: كان يرى فيها نوعا من المناسبة بين مكوناته النفسية وما هو كامن في طبيعة صحرائه من سعة لا حد لها تشعره بالتضاؤل والضحالة وهو فيها وبجفاف قاسٍ، إلى إيحاء تسوده رهبة.

فهو مثلا يرى في التطير إن اتجه إلى التجارة نوعا من فهم سبيله، فهو يرى في ميامنها تفاؤلا: يدفعه لوجهته وفي مياسرها تشاؤما يدفعه ليعدل عن وجهته.

وتبعا لمعتقده هذا نراه يتجاوب فكريا مع أي معنى يوحى إليه من خلال ميامن الطير أو مياسرها، وربما كان ذلك -من وجهة نظرنا- محاولة من العربي يفك بها لغز الكون بعد ما بات يحس من نفسه ضعفه أمام لغزه على الرغم من شجاعته المشهود له بها في شعره.

كذلك يرى فيها: دلائل عرفان نحو مستقبله، فخوفه من المستقبل يدفعه نحو تلك الأشياء؛ ليفهم بها مكامن المجهول، وعلى أي حال نراها في رمزيتها محاولات يخفف بها عن نفسه عبء اليأس من عدم فهمه للوجود وتبعد عنه فكرة الانتحار الذي قد يكون حلا قانطا وسلبيا لمشكلة اليأس من عدم فهم مستقبله، وليس بدعا من العربي أن يبدأ التفكير من بداية الفكر الإنساني في طفولته ولقد "كان الفكر الإنساني في طفولته يتفتح لرؤية الكون الهائل تفتحا مشفوعا بالعجب والهيبة"١.

وكانوا يودون من مغزى هذه الرموز أن تكفيهم شر الحياة المادية الخبيثة وذلك لما يرون فيها من معايير مقدسة يفزعون إليها إن ألم بهم شيء أو هَمُّوا بعمل شيء.

وعلى الرغم من أنها تصورات خيالية نجدها توقفنا على شيء ذي بال في حياة العربي النفسية والدينية؛ فإنها من الناحية النفسية تفسير لنا مثيرات انفعالاته وعواطفه، وبها نستطيع أن نفسر مكوناته الشخصية ومؤثراتها الخارجية، فعن طريق هذه


١ سيرة تاريخ وفن ص٢٣ د. ماهر حسين فهمي، مكتبة النهضة.

<<  <   >  >>