للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

......................................


= تقرب إلى الروحانيات التي هي كالأرواح بالنسبة إليها، ولا جرم أنهم دعوا إلى عبادة الكواكب السبعة السيارة، ثم أخذوا في تعريفها وتعريف أحوالها بالنسبة إلى طبائعها وبيوتها ومنازلها ومطالعها ومغاربها واتصالاتها ونسبتها إلى الأماكن والأزمان والليالي والساعات وما دونها إلى غير ذلك، ثم تقربوا إلى كل هيكل وسألوه بما يناسبه من الدعوات فيما يناسبه من الأماكن والأزمان واللباس الخاص به، وبالخاتم المطبوع على صورته، والهياكل عندهم أحياء ناطقة بحياة الروحانيات التي هي أرواحها، ومتصرفة فيها.
ومنهم من جعل هيكل الشمس رب الهياكل والأرباب، وهذه الهياكل هي المدبرة لكل ما في عالم الكون والفساد على ما سلف في تعريف مذهب الفريق الأول، وربما احتجوا على وجود هذه المدبرات وأنها أحياء ناطقة بأن حدوث العالم؛ إذ الكلام فيه إما أن يكون مستندا إلى حادث أو قديم، ولا جائز أن يكون مستندا إلى حادث؛ إذ الكلام فيه كالكلام في الأول، والتسلسل والدور محالان، فلم يبقَ إلا أن يكون مستندا إلى ما في نفسه قديم، وذلك القديم إما أن يكون موجبا لذاته أو بالاختبار، فإن كان الأول فإما أن يكون كل ما لا بد منه في إيجاد الحوادث متحققا معه، أو أنه متوقف على تجدد، فإن كان الأول فيلزم قدم المعلوم والقدم علته وشرطه، وإن كان الثاني فالكلام في تحديد ذلك الأمر كالكلام في الأول، وهو تسلسل، فلم يبقَ إلا أن يكون فاعلا مختارا، وليس في عالم الكون والفساد فاعل قديم مختار إلا الأفلاك والكواكب؛ ولذلك حكموا بأنها أحياء ناطقة.
الفرقة الثالثة:
أصحاب الأشخاص وهؤلاء زعموا أنه إذا كان لا بد من متوسط مرئي والكواكب وإن كانت مرئية إلا أنها قد تُرى في وقت دون وقت؛ لطلوعها وأفولها وظهورها وصفائها نهارا، فدعت الحاجة إلى وجود أشخاص مشاهدة نصب أعيينا، تكون لنا وسيلة إلى الهياكل التي هي وسيلة إلى الروحانيات، التي هي وسيلة إلى الله تعالى، فاتخذوا بذلك أصناما وصورا على صور الهياكل السبعة، كل صنم من جسم مشارك في طبيعته لطبيعة ذلك الكوكب، فدعوه وسألوه بما يناسب ذلك الكوكب في الوقت والمكان واللبس والتختم، بما يناسبه والتحيز المناسب له، على حسب ما يفعله أرباب الهياكل، إلا أنها هي المعبودة على الحقيقة. وهذا هو الأشبه بسبب اتخاذ الأصنام.
ويحتمل أن يكون اتخاذ الأصنام بالنسبة إلى غير هذه الفرقة وتعظيمها؛ لاتخاذها قبلة لعبادتها أو لأنها على صورة بعض من كان يعتقد فيه النبوة والولاية تعظيما له، أو لأن القدماء أرباب الهياكل والأصنام وعلماءهم ركبوا فراغ طلاسم ووضعوها فيها، وأمروهم بتعظيمها؛ لتبقى محفوظة بها، وإلا فالاعتقاد الألوهية فيما اتخذوه من صور من الأخشاب والأحجار وكونه خالقا لمن صوره ومبدعا لما وجده قبل وجوده من العالم العلوي والسفلي. ومما لا يستجيزه عقل عاقل بل البداهة برده وإبطاله وإن كان وقع ذلك معتقدا لبعض الرعاع ومن لا خلاق له من العوام منه، فلا يلتفت إليه ولا معول عليه.
الفرقة الرابعة:
الحلولية: وقد سماها ابن بطوطة وغيره من ثقات المؤرخين بالحرنانية، وهو الأصح عندنا وزعموا أن الإله المعبود واحد، في ذاته أبدع أجرام الأفلاك وما فيها من الكواكب وجعل الكواكب مدبرة لما في العالم السفلي، فالكواكب آباء أحياء ناطقة، والعناصر أمهات، وما تؤديه الآباء للأمهات تقبلها بأرحامها فتحمل عند ذلك المواليد، وهي المركبات، والإله تعالى يظهر في الكواكب السبعة ويتشخص بأشخاصها من غير تعدد في ذاته، وقد يظهر أيضا في الأشخاص الأرضية الخيرة الفاضلة وهي ما كان من المواليد، وقد =

<<  <   >  >>