حكام تدمر هذه الفرصة؛ لتحرير مملكتهم من سيطرة الرومان وسرعان ما وجدت أنطاكية نفسها في داخل نطاق نفوذ تدمر الآخذ في الاتساع.
في ذلك الحين كانت أبرز شخصية في أنطاكية هي شخصية أسقفها بولص من سميساط، وكان بولص ينتمي إلى الشطر السامي من أهل سورية ويمثل مصالح العنصر السامي أكثر من مصالح العنصر الإغريقي الروماني من السكان، وقد أسند إليه الاضطلاع بمهام دينية ومهام معاشية، وكان يتمتع بتأييد "تدمر" ويؤدي مهام المندوب المفوض عنها في حكم أنطاكية، وأصبح بولص السميساطي شخصية لها أهميتها أيضا من الناحية اللاهوتية؛ فإن تعاليمه التي كانت تدعو بإصرار إلى أن الله واحد والمسيح بشر مهدت هذه الأفكار السبيل للمذهب الأريوسي وأنشأت فيما بعد عرفا تقليديًّا في مذهب المدرسة اللاهوتية بأنطاكية.
يرى جلانفيل أن هذه التعاليم المبسطة قد أعدت إرضاء لزنوبيا ملكة تدمر التي كان يظن أن لها ميولا يهودية، ومن المحتمل أن تكون وجهة نظر بولص فيما بعد تتعلق بوحدانية الله وقدرته تأثرت باعتقاد اليهود اعتقادًا جازمًا في التوحيد وأما إنكار ألوهية المسيح أو متبوعيتها فإن ذلك كان فكرة نبتت في عهد مبكر جدًّا حالما أصبحت طبيعة المسيح موضوعًا للدراسة والمناقشة المفصلة، وكانت إنطاكية -عندما حل عهد بولص- مكانًا خليقًا بأن تلقى فيه مثل هذه الفكرة تأييدًا ولا سيما بعدما أصبحت معقلا من معاقل المذهب الأريوسي الذي كان في جوهره يشايع هذا التفسير، وارتبط تاريخ الطائفة المسيحية في أنطاكية بمجرى النزاع الأريوسي حول طبيعة ألوهية المسيح، وهو ذلك النزاع الذي أحدث انشقاق الكنيسة إلى معسكرين في الجزء الشرقي من الإمبراطورية، وظل هذا الانشقاق إلى سنة ٣٢٥م موعد مجلس نيقية، وفيه تمت الموافقة على حل أدمج بموجبه في العقيدة النص على وحدة الأب والابن مادة وجورها وتسوية وضع جماعة المنشقين.
ولا نرى في أنفسنا ميلًا نحو تحليل "جلانفيل"؛ لدعوة بولص إلى التوحيد بأنها كانت ترضية لملكة تدمر، وفي نظرنا أن الأمر ليس كذلك؛ لأن التوحيد ظاهرة تغلب على الديانات السامية ولنذكر خاصة "ال" وهو إله سامي مشترك: