للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكية، وبناء على ذلك تكون جملة {الَّذِينَ هَادُوا} قد نزلت قبل نزول لفظة "اليهود" في القرآن الكريم.

ومن صور المنهج الرفيع في القرآن الكريم: استعمال اسمين عند التحدث عن العبرانيين، فهم تارة: "اليهود"، وتارة أخرى "بنو إسرائيل"، وتقوم عبارة: {الَّذِينَ هَادُوا} في بعض المواضع مقام لفظ "اليهود"، والقرآن الكريم حينما يستعمل الاسمين لا يفعل؛ لأنهما مترادفان، كما يقول مثلا: "المسيح"، و"عيسى بن مريم" بل يطلق عليهم "اليهود"، {الَّذِينَ هَادُوا} في مواضع السخط أو التنديدي بسيئ أعمالهم، أو عند حكاية ما أصابهم من الذلة والعبودية؛ لفساد طويتهم، وسوء نيتهم.

أما إذا جاءت في مواضع من القرآن الكريم: تذكر بفضل الله تعالى على هؤلاء القوم ذواتهم، أو اصطفاء الله تعالى لهم، وإسناد الرسالة إلى رجال منهم، وإسباغ الحكمة والنبوءة عليهم ... إلخ فإنه يطلق عليهم عبارة: "بني إسرائيل"، واستعمال هذين الاسمين: مقصود، ولم يأتِ عفوًا، فإسرائيل هو: "يعقوب"، و"يعقوب" نبي من أنباء الله تعالى، ورث عن أبيه "إسحاق" وعن جده "إبراهيم" رسالة الدين الحنيف.

ومن هنا لا يتحدث القرآن عن أولاد "يعقوب" -أي بني إسرائيل- إلا بالخير والرضا، فإذا صدر منهم ما يغضب فالقرآن يسميهم اليهود.

أما الشيء الذي لم يرد في القرآن: فهو مصطلح "عبري وعبراني" فإنه لم يرد في القرآن مطلقا، وهذا يدل في نظرنا على أن "العبري أو العبراني" ليس خاصا "باليهود" من حيث هم جنس.

ولما كانت فلسطين امتدادا طبيعيا للحجاز، كان من الطبيعي اتصال سكانها بالحجاز، واتصال سكان الحجاز بفلسطين، وذهاب جاليات "يهودية" إلى العربية الغربية؛ للاتجار وللإقامة هناك، خاصة بعد فتوح الدول الكبرى لفلسطين، واستيلائها عليها، وهجرة اليهود إلى الخارج فكانت العربية الغربية؛ لاتصالها بفلسطين من الأماكن الملائمة المناسبة لهجرة اليهود إليها وإقامتهم فيها، ولا سيما عند مواضع


١ المفصل جـ٦ ص٥١٢، ٥١٣.

<<  <   >  >>