عناصر التشابه بين ما نزل من وحي السماء، فهو من غير أن يدري يدور في فلك الآية السابقة حين أكدت وحدة وحي السماء، وفي الوقت نفسه يؤكد دعوى نبوة الرسول، وصدق ما قاله ودفع النوازع في النفوس البشرية حين تريد أن تخلق من المتجانسات تنافرًا.
وأهم علامة فارقة ميزت نصارى عرب الجاهلية عن العرب الوثنيين هي أكل النصارى للخنازير، وحملهم للصليب وتقديسه، ورد أن الرسول قال لراهبَيْن أتياه من نجران؛ ليبحثا فيما عنده:"يمنعكما عن الإسلام ثلاث: أكلكما الخنزير، وعبادتكما الصليب، وقولكما: لله ولد". وورد أنه رأى عدى بن حاتم الطائي وفي عنقه صليب من ذهب؛ لأنه كان على النصرانية.
أما الزمن الذي دخلت فيه النصرانية إلى جزيرة العرب فتحاول مؤلفات رجال الكنائس رد ذلك التاريخ إلى الأيام الأولى من التأريخ النصراني١.
وإذا كانت اليهودية قد دخلت جزيرة العرب بالهجرة والتجارة، فإن دخول النصرانية إليها كان بالتبشير.
وبدخول بعض النساك والرهبان إليها للعيش فيها بعيدين عن ملذات الدنيا، وبالتجارة وبالرقيق ولا سيما الرقيق الأبيض المستورد من أقطار كانت ذات ثقافة وحضارة، وبفضل ما كان لكثير من المبشرين من علم ومن وقوف على الطب والمنطق ووسائل الإقناع وكيفية التأثير في النفوس تمكنوا من اكتساب بعض سادات القبائل فأدخلوهم في دينهم، أو حصلوا منهم على مساعدتهم وحمايتهم، فنسب دخول بعض سادات القبائل ممن تنصر إلى مداواة الرهبان لهم ومعالجتهم حتى تمكنوا من شفائهم مما كانوا يشكون منه من أمراض، وقد نسبوا ذلك إلى فعل المعجزات والبركات الإلهية، وذكر بعض مؤرخي الكنيسة أن بعض أولئك الرهبان القديسين شفوا بدعواتهم وببركات الرب النساء العقيمات من مرض العقم، فأولدن أولادًا، ومنهم من توسل إلى الله أن يهب له ولدًا ذكرًا فاستجاب دعوتهم، فوهب لهم ولدًا ذكرًا كما حدث لضجعم سيد الضجاعمة؛ إذ توسل أحد الرهبان إلى الله أن يهبه ولدا ذكرا فاستجاب له، فلما رأى ضجعم ذلك دخل في دينه وتعمد هو وأفراد قبيلته، ومنهم من شفى بعض الملوك العرب من أمراض كانت به
١ المفصل جـ٦ ص٥٨٦، وأيضا البلاذري ص٧١، واللسان ١٣/ ٤٤٣ مادة وثن، النصرانية وآدابها القسم الأول للويس شيخو.