أما المسيحية بعد ما بيَّنَّا موقفنا فإننا نلاحظ في النهاية -وهي دين شرقي- أنها سيطرت من جانبها على الوثنية الرومانية، وتشكلت الدولة الرومانية بالمسيحية، وحملت -ضمن أعبائها- عبء مشاكلها وتبعة نشرها.
وليس في الأمر -كما رأينا- عجز في طبيعة العقل الشرقي أو انحطاط الشرق عن الغرب كما يزعمون، إنما كل ما في الأمر أن الورمان تبنوا -والغرب بعدهم- الثقافة الهلينية وهي ما كانت تعنيهم.
أما حضارة الشرق فإن الإسكندر ما استطاع -ولا خلفاؤه من بعده- أن يقرها وإن هزمه سياسيَّا وحربيًّا غير أنه لم يقهره ثقافيًّا؛ لأنه لا يحب أن يكون منتميا إلا إلى نفسه من خلال تراثه السماوي أو الوضعي، وليس لعلة مرضية كما يزعمون حين يعللون رفض الشرق التراث اليوناني ووثنيته، وإذا كان كذلك فكيف يكون مريضًا وعنده من الوعي الحضاري الذي به فرض رسالته الدينية عليه؟ وهذا أعقد ما في المسألة..
وفي ذلك ما يفيد -من وجه آخر للمسألة- أن رسالة الشرق الدينية ضرورية للإنسانية، وذلك يفسر فيما بعد ظهور الإسلام: وإلا فلماذا أخذ الغرب بالدين الشرقي؟
ألسنا أمام مشكلة فيها تقابل الاستفهام وهو: لماذا رفض الشرق التراث الهليني؟
ولماذا قبل الغرب الدين الشرقي؟
وفي النهاية نقول: وحقيقة دور المسيحية واليهودية من خلال مصادر تاريخية أنهم كانوا وفق نصوصهم يعتقدون في "مسيا"١ جديد -أي: الممسوح بالطيب أو الذي مسحه يهوه بالطيب- وكانوا يذهبون إلى تفسير اضطهادهم بأن التاريخ -وفق تصورهم- يدور؛ ليحقق عودة مجتمعهم الذي تتحقق فيه الإرادة الإلهية واستفاضة نبوءتهم.