للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المسعودي:

"وقد كانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام وتطوف به تعظيما له".

وكان آخر من حج منهم -الفرس الأول- "ساسان" و"ساسان بن بك" أهدى غزالتين من ذهب وجواهر قذفها في زمزم.

قال المسعودي: وقد ذهب قوم من مصنفي الكتب في التواريخ وغيرها من السير أن ذلك كان لجرهم حين كانت بمكة١.

ثم قال معلقا: وجرهم لم تكن ذات مال فيضاف لها.

فمتاخمة الجزيرة لتخوم الفرس، وعلاقتها بها من الناحيتين الاقتصادية والسياسية ورحلات العرب التجارية: صيفا وشتاء، تحدث عنها القرآن فقال: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} ... السورة.

وهذا يفيد أنه كما تبودلت السلع التجارية بين العرب وجيرانهم، تبادلوا معم إفرازات العقول والآراء على قدر ما لهم من حظ ف يالعقل ونصيب من الفكر والرأي.

وهذا طريق طبعي لروافد انتقال الآراء الفكرية لأي أمة من الأمم، وأمة العرب ليست بدعا في ذلك.

فاتصالات العرب التجارية بالعراق والشام زودت في العرب خبرة النقل التجاري والفكري بيد أن الشهور الطوال التي كان العربي يضربها بإبله عبر الصحراء قللت من اهتماماته الفكرية؛ فكان حظه من النقل الثقافي يبدو متواضعا بل وساذجا، لا يتكافأ مع نقله التجاري، كذلك كان ميلهم إلى الشعر يجعلهم ينأون عن استنباط الأمور، ومع ذلك يمكن أن نقول: من هذا الاهتمام الضئيل بالمعروف انتقلت ألوان شاحبة من الصابئة إلى الجزيرة العربية.


١ المسعودي: مروج الذهب "١: ١٦٦" عن كتاب "السكيكين" ترجمة: عبد الله بن المقفع عن الفارسية الأولى ذكره المسعودي وأخذ عنه النص السابق، وقال عنه: الكتاب تعظمه الفرس لما قد تضمنه من خبر أسلافهم.

<<  <   >  >>