ومع هذا تكون الصابئة دخلت الجزيرة العربية منذ نبي الله إبراهيم وإسماعيل بمضمون فكري غير أنها على هذا الفرض دخلت مقابلة للحنيفية، وبناء على هذا جعل القرآن -والعرب قبله- كل من لا يعتنق الحنيفية صابئًا.
فمن يوم أن دخل مذهب الصابئة العقدي شبه الجزيرة العربية دخل مضطهدا تحدوه لعنات نبي الله إبراهيم أبي الأنبياء، وبهذا نستطيع أن نفسر عدم انتشاره في الجزيرة العربية، كذلك نستطيع أن نفسير اضطهاد الذين اعتنقوه؛ لأنهم في عرف الجاهلية خارجين عن دين الجماعة.
وعندما جاء الإسلام أكد نبذ هذا المذهب، ولما لم يكن له كتاب يحمل مكوناته الفكرية، ضاع صلبه ولم يبق منه سوى مسائل وقضايا عرض لها القرآن.
وبسبب كل ذلك تعرض المذهب الصابئي لوسائل الضياع المتعددة الكفيلة بمحوه، من عدم كتاب له ومن اضطهاد ومكافحة إلى نبذ معتنقيه، كل ذلك لازم المذهب الصابئي منذ دعوة نبي الله إبراهيم والإسلام عندما عرض لها مناقشا كان ذلك منه؛ لخطورة قضاياها الدينية وأهمها:
منعهم أن يكون النبي وسيطا يبلغ عن الله؛ لأنه بشر وأحلوا محله في الوساطة "النيرات" ثم عبدوها.
والإسلام إذ يعرض لها بالنقد الجدلي لا يستقي معلوماته من صحف إبراهيم، فإنها لم تكن موجودة لدى العرب، ولا يستقيها من مصادر أصحابها؛ لأنهم لم يكونوا على علم كامل بها، إنما ذكرها له الوحي من حيث قضاياها الفكرية التي قد يثيرها العقل الإنساني، ويطيب له الجدل فيها، فما أثار القرآن من قضايا حولها كان يهم الصابئة الأولى والصابئة الأخرى، وذلك ما لم يتح للعربي الاضطلاع به والاطلاع عليه، ففكر القرآن عن الصابئة كان وحيا؛ لكونه أوسع مما كان يعرفه العرب عنها بل وأوسع مما كان يعرفه الصابئ العربي وغيره عن مذهبهم، وفي هذا ما يؤكد أن فكر القرآن عن الأديان كان فكرًا عالميًّا، أي يهم النوع الإنساني المفكر، دون نظر منه إلى مكونات العرب الفكرية خاصة.