للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمظاهر المادية التي رافقت الإنسان في تفسيره لله وشابت علاقته به كانت أصلا لنشأة الوثنية؛ لأنها اعتبرت مبادئ مدبرة وإلهية لا مادة للعالم.

فالوساطة: إما أن تكون موجهة إلى التوحيد، وإلى السلوك الطبعي للعبادة، وذلك: كالوحي أو الكلمة فلا شرك فيها ولا ميل إلى الشرك.

أما أن تكون الوساطة شركا، أو داعية إلى الشرك، وذلك إذا كان الوسيط يقوم مقام الله أو يشترك مع الله، ويقوم الإنسان بعبادته أو يعتقد فيه في حاجة إلى وسيط.

واضح أن فكرة الوساطة "الشريك" نشأت بعيدا عن الدين السماوي، وليس ذلك فحسب بل إن الدين السماوي نبذها وحاربها بمختلف وسائل المحاربة.

فالوساطة التي أنشأها الإنسان؛ ليعبدها تجدها نشأت إما في مجتمع خالٍ من الدين فابتدعها الإنسان تعبيرا عن ميله الفطري للعبادة، وإما أنها نشأت في مجتمع حافل بالفكر الذى يكثر القول عن السبب الاسمى، فإن استطاع الفيلسوف تصور قيمة هذه الفكرة، فإن عوام المجتمع سوف يهربون من تلك التصورات المنطقية الجافة ثم يقعون وهم يفرون من فكرة العقل الفعال في نظر الفلاسفة في حوزة الوسيط المجسد؛ لأن الوصول إليه عسير.

والكائنات التي رشحها الإنسان للعبادة ليست وسطاء بين الله والعالم فقط بل بين الله والنفس الإنسانية المتعطشة للدين حتى إنها؛ لاستحالة صعودها إلى أعلى وانبهار بصرها من التأمل لا يسعها إلا الوقوف عند درجة أدنى.

فمذهب الوسطاء ليس مؤداه استحالة خلق الله للعالم بل استحالة وصول النفس مباشرة إلى الله.

وما نستخلصه من وراء مذاهب عبادة الوسطاء وجود الروح الدينية العميقة المتغلغلة في النفس الإنسانية وأنها سلكت الإنسان طريق العبادة وطريق الفكر الميتافيزيقي.

وإذا كان فراغ المجتمع الإغريقي من الدين لم يستطع أن يلغي الإحساس بضرورة الحاجة إلى العبادة، وذلك باستحداثه أنماطا من الوساطات الدينية؛ ليدين لها.

وإذا كان الفكر الفلسفي لم يستطع أن يقدم للإنسان شيئا عن الله وعن علاقته به

<<  <   >  >>