للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد خلف المنذر الأول "٤١٨-٤٦٢" أباه النعمان على العرش وكانت له متزلة رفيعة عند كسرى الفارسي يزدجرد حتى إنه على ما يذكر الطبري شرفه وأكرمه وملكه على العرب وحباه بمرتبتين سنيتين تدعي أحداهما رام أبزووذ يزدجرد وتأويلها "زادسرور يزدجرد" والأخرى تدعى بمهشت وتأويلها "أعظم الخول" وأمر له بصلة وكسوة بقدر استحقاقه لذلك في منزلة. وقد فوض يزدجرد المنذر بحكم جميع الأرض -أرض العرب١.

والمنذر بن امرئ القيس المعروف بابن ماء السماء "٥١٢-٥٥٤" هو أول المشهورين من ملوك الحيرة المناذرة اللخميين، وماء السماء هو لقب أُمِّهِ مارية بنت عوف بن جشم ينتهى نسبه إلى النمر بن قاسط، وقد لعب المنذر هذا دورا بارزا في الحروب التى قامت بين فارس وبيزنطة في عصره؛ ففي سنة ٥١٨ قام كسرى الفارسي قباذ يطالب الإمبراطور البيزنطة جوستين الأول بدفع الأتاوة التي قبلت بيزنطة بدفعها لفارس في الصلح الذي عقد بينهما عام ٥٠٦، ولما تباطأ جوستين بدفع الاتاوة قام المنذر بتحريض من قباذ بالهجوم على الممتلكات البيزنطية في سورية سنة٢ ٥١٩.

وفي أيام المنذر وقع الاحتلال الحبشي لليمن، فاتسع بذلك نفوذ الروم في بلاد العرب، وذلك لما يربط الأحباش بالبيزنطيين من روابط ودٍّ أساسها تدينهما بدين واحد، وفي سنة ٥٤٥ وقَّعت فارس وبيزنطة هدنة جديدة مدتها خمس سنوات.

ولكن هذه الهدنة لم تؤد إلى توقف المناوشات بين الحارث بن جبلة -الذى كان قد عين ملكا على عرب الشام- والمنذر بن ماء السماء٣، وتمكن المنذر في إحدى المرات من أسر ابن الحارث فقدمه للإله العزى.

ولعل من المهم قبل أن نختم هذه الصفحة المشرقة من تاريخ دولة المناذرة التى خطها المنذر بن ماء السماء بدمه وعصبه أن نشير إلى النزاع الذي قام بينه وبين الكسرى الفارسي قباذ من أجل الذهب المزدكي.


١ المرجع السابق ص١٨٣، ص١٨٤، الطبرى جـ٢ ص٦٩، جواد على جـ٤ ص٤٤.
٢ نفس المرجع ص١٨٦.
٣ تاريخ العرب القديم وعصر الرسول ص١٨٧ بتصرف.

<<  <   >  >>