للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن الأثريين ميزوه عن الأدوار التالية، وأطلقوا عليه تسمية: "عصر الجوالين".

ومن المهم ذكره في هذا الصدد أن القرآن الكريم كان أول كاشف لنا عن هذه الحقيقة، وقد جاءت المكتشفات الأثرية حول الهجرات السامية ودراسة علم المقارنة بين اللغات مؤيدة لهذه الحقيقة نفسها التى تربط صلة إبراهيم بجزيرة العرب.

والتوراة ترى أن أرض فلسطين باعتراف التوراة ذاتها كانت أرض غربة بالنسبة إلى آل إبراهيم وآل إسحاق وآل يعقوب؛ إذ كانوا مغتربين في أرض فلسطين بين الكنعانيين سكانها الأصليين، والتوراة تتحدث عنهم بصفتهم غرباء وافدين طارئين على فلسطين١.

أما وطنهم الأصلى فهو "أرام النهرين" أي منطقة حران "حران الحالية" حيث كانت العشائر الآرامية، المنتمية إليها قد استقرت عند منابع نهر البليخ بعد هجرتها من الجزيرة العربية٢.

ثم نزحت فروع من هذه القبائل إلى جنوب العراق "منطقة بابل" فكان إبراهيم الخليل من ذريتها، وقد وردت كلمة "اغتراب" كلما ذكر تنقل إبراهيم في فلسطين وفي مصر، فقيل: "تغرب إبراهيم في أرض الفلسطينيين"٣.


١ وقال إبراهيم لعبده كبير بيته المستولي على ما كان له: ضع يدك تحت فخذي فأستحلفك بالرب إله السماء وإله الأرض لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين؛ أنا ساكن بينهم؛ بل إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لابني إسحاق "تك ٢٤: ٢-٤"، "ثم أخذ العبد عشرة جِمال من جِمال مولاه، ومضى وجميع خيرات مولاه في يده، فقام وذهب إلى آرام النهرين إلى مدينة ناحور" "تك ٤٠: ٢-١٠"راجع أيضا "تك ٢٤: ٣٣-٣٨".
٢ أليست هذه عادة أصيلة لا علاقة لها بالتقاليد اليهودية؟ ثم ألا يستشف منه أن سيدنا إبراهيم الخليل "عليه السلام" كان غريبا وفردا في أرض كنعان؟ أو لم يكن بإمكانه فيما لو كان هناك يهود من عشيرته تزويج ولده من إحدى بناتهم بدلا من إرسال عبده إلى آرام النهرين؛ لِجلبه عروسًا لابنه من هناك فلا يفرح بزواج ولده إسحاق؛ راجع أيضا: ٢٨: ١-٢ "تك ٤٧- ٩".
٣ يحب التمييز هنا بين بنى إسرائيل عند هجرتهم إلى مصر في القرن السابع عشر قبل الميلاد وهم أسرة واحدة لم يتجاوز عدد أفرادها السبعين شخصًا، وبين قوم موسى عندما نزحوا إلى فلسطين في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، لأن أسرة إسرائيل انصهرت وذابت في المجتمع المصرى على مر الزمن بحيث لم يبق لها أي أثر عندما غزا النبي موسى -عليه السلام- وأتباعه أرض فلسطين بعد خروجهم من مصر بعد مرور حوالي ستمائة عام على زمن دخول أسرة يعقوب إلى مصر. لقد كان هؤلاء يؤلفون حملة مصرية بحثة أكثرها من بقايا الهكسوس ومن الجنود المصريين الفارين كما سنوضح ذلك فيما بعد.

<<  <   >  >>