للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسموها: الأنصاب، فإذا كانت تماثيل دعوها الأصنام، والأوثان وسموا طوافهم الدوار، وكان الرجل إذا سافر، فنزل منزلا أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها، فاتخذه ربا، وجعل الثلاثة: أثافي للقدر، وإذا ارتحل: تركه فإذا نزل منزلا آخر فعل مثل ذلك.

فكانوا ينحرون ويذبحون عندها كلها ويتقربون إليها، وهم على ذلك عارفون بفضل الكعبة عليها يحجونها ويعتمرون إليها، وكان الذين يفعلون ذلك في أسفارهم يهدفون للاقتداء بما يفعلون عندها والصبابة بها، وكانوا يسمون ذبائح الغنم التي يذبحون عند أصنامهم وأنصابهم تلك: العتائر، والعتيرة في كلام العرب: الذبيحة والمذبح الذي يذبحون فيه لها العتر.

ويقول ابن الكلبي: وكانت للعرب حجارة غير منصوبة يطوفون بها ويعترون عندها يسمونها الأنصاب ويسمون الطواف بها الدوار١.

وما زالت بداية ظهور الإلحاد عند العرب سرًّا غامضًا، ولكننا نعتقد أن إلحادهم كان يختلف عن أي نوع من الإلحاد عند الأمم الأخرى.

وإذا نظرنا إلى تقدمهم العقلي نجد أفكارهم الدينية ساذجة وسهلة، وإذا سلطنا عليهم أضواء التاريخ نجد لديهم نوعا من أحط أنواع الوثنية٢.

ففي العصر الجاهلي لا نجد أي تعاليم جوهرية، ولكن على الرغم من ذلك كانت الأحداث كما يقول "كرهل": لا تثبت إذا ما كان الشعب السامي الذي هاجر إلى بلاد العرب من الشمال الشرقي قد اعتنق العبادة التي وجدها في البلاد، ثم أدخل نوعا جديدا من العبادة التي انتشرت في أطوار تدريجية بين العرب٣.

فتحولهم من التوحيد إلى الوثنية والإلحاد، لم يكن مباشرة، وإنما تم بعد مرحلة جرهم العبثية التي فسد فيها الدين وشوه، فلما ولي عمرو بن لحي دفعه إلى الوثنية لون من العصبية، وليست قضايا عقلية شغلته، فأراد لها حلًّا فتحول بسببٍ إلى الإلحاد، ولكن كانت العصبية، والتقليد، وهجر ما كان عليه جرهم من فساد وعبث.


١ كتاب الأصنام لأبي المنذر محمد بن السائب الكلبي تحقيق أحمد زكي.
٢ الأصنام ص٣٣.
٣ حضارة الإسلام صلاح الدين خودا بخش ص٢٥.

<<  <   >  >>