للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اضطلع بعبئها الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن نابعة من تصوره ولا مدفوعا إليها رغبة في زعامة أو رياسة أو جاه حتى تكون وفق ما تصورنا، ولكن كانت رسالة إلهية تبغي الإصلاح ما استطاعت إليه سبيلا، ورسالة هزت كيان القبائل العربية وأوثانها وكان على رأس هذه القبائل جميعًا قبيلته صلى الله عليه وسلم فهدم عصبيتها القبلية والدينية؛ ليحل محلها معاني جديدة في مدلولها الإنساني كمبدأ الإخاء والتضامن والتكافل، نعم هدم بها عصبيتها الدينية فألغى تشريعاتها التي عرفت بالحمس، وأحل محلها دينه وفرض في حجه المساواة، قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩] .

يعني على قريش أن تتساوى مع الناس ي فريضة الحج فيصعدوا معهم إلى عرفات والوقوف عليها والإفاضة منها.

وأنزل الله عليه فيما كانوا قد حرموا على الناس من طعام ولباس عند البيت حين كانوا يطوفون عراة، قوله:

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف] .

وقال -تبارك وتعالى- عائبا عليهم سلوكهم الديني: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} ١؛ أي أنهم كانوا يطوفون عراة ويصفقون ويصفرون.

وقال: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} ٢.

لأن الحمس لا يدخلون تحت سقف ولا يحول بينهم وبين السماء عتبة باب ولا غيرها، فإن احتاج أحدهم في داره تسنم البيت من ظهره ولم يدخل من الباب فرد الله ذلك عليهم بقوله سبحانه: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ٣.

ثم بين أنهم يسندون هذه الشعائر إلى ابراهيم.


١ سورة الأنفال الآية ٣٥.
"٢، ٣" سورة البقرة الآية ١٨٩.

<<  <   >  >>