للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"الجاهلية" أي أيام الجاهلية أو "زمان الجاهلية"؛ استهجانًا لأمر تلك الأيام الذي هو ضد الحلم، الأنفة والخفة والغضب، وما إلى ذلك من معانٍ، وهي أمور كانت جد واضحة في حياة الجاهليين، ويقابلها الإسلام الذي هو مصطلح "مستحدث أيضا ظهر بظهور الإسلام"، وعماده الخضوع لله والانقياد له، ونبذ التفاخر بالأحساب والأنساب والكبر وما إلى ذلك من صفات نهى عنها القرآن والحديث١.

وقد وردت الكلمة في القرآن الكريم في مواضع منه، منها آية سورة الفرقان قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: ٦٣] ، وآية سورة البقرة: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: ٦٧] ، وآية الأعراف قوله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} [الأعراف: ١٩٨] .

وفي كل هذه المواضع ما ينم على أخلاق الجاهلية؛ وقد ورد في الحديث: "إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل" ٢، وورد أيضا: "إنك امرؤ فيك جاهلية" ٣ وبهذا المعنى تقريبًا وردت الكلمة في قول عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا٤

وازدراء بجهل أصحابها لحالة الوثنية التي كانوا عليها، ولجهالة الناس إذ ذاك وارتكابهم الخطايا التي أبعدتهم في نظر النصرانية عن العلم وعن ملكوت الله، "وقد أعفى الله عن أزمنة هذا الجهل، فيبشر الآن جميع الناس في كل مكان إلى أن يتوبوا"٥.

وقد وردت لفظة الجاهلية في القرآن الكريم، وردت في السور المدنية دون السور المكية؛ فدل ذلك على أن ظهورها كان بعد هجرة الرسول إلى المدينة؛ وأن إطلاقها بهذا المعنى كان بعد الهجرة، وأن المسلمين استعملوها منذ هذا العهد فما بعده٦.


١ المفصل جـ١ ص٣٨، ص٣٩.
٢ بلوغ الأرب جـ١ ص١٦.
٣ ذيل أقرب الموارد جـ٣ ص١١٥، فجر الإسلام جـ١ ص١٦.
٤ بلوغ الأرب جـ١ ص١٦، محيط المحيط ص٣٠٩، أساس البلاغة جـ١ ص١٤٥.
٥ المفصل جـ١ ص٣٧، ص٣٨ وأعمال الرسل والإصحاح السابع عشر آية ٣٠.
٦ المفصل جـ١ ص٣٨.

<<  <   >  >>