ونحن نرى هذا الرأي الذي يرى: أن الجاهلية وصف لمرحلة تاريخية مليئة بالسفه والحمق وعدم التروي فيما ينبغي التروي فيه، والتاريخ الجاهلي الذي رواه الإخباريون مليء بالشواهد والأخبار التي تؤيد هذا الرأي من غير تعسف في البحث عن شواهد تؤيده، فما التاريخ الجاهلي إلا تاريخ حروب بين القبائل من حرب "البسوس" و"داحس والغبراء" وهما معًا من أفتك الحروب شراسة بأهلها وأشدها هولا وأطولها زمنًا، وما ذلك إلا نمط من أنماط نزق العقل العربي الذي بجانب كل المجانبة ما أُثِرَ عن العرب من مرويات الحكم: فحياتهم تتردد بين مأثور من القول الجميل الموزون المقفى ونثر ذي فواصل من الحكم والأمثال الحميدة، وبين سلوك فاضح سفيه كتلك الحروب التي ذهبت بالأجيال وقد طال مداها أربعين عاما بسبب ناقة أغراها الكلأ فهامت على وجهها من غير إذن رعيانها، فتاريخ الحروب الجاهلية تاريخ سفاهات وحمق وثارات ظالمة.