للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - وهذه الثقافة وتلك الشمات المحببة في شخصيته كسبت له تقدماً في مدينة سبتة، ولهذا نجده يشارك في حياتها السياسية مرتين: الأولى عندما ذهب في الوفد إلى غرناطة ليقرر تبعية سبتة لبني نصر، وقد عرفنا لسان الدين إلى اثنين آخرين كانا في ذلك الوفد، وهما أستاذه أبو القاسم ابن الشاط، ومحمد بن علي بن هانئ اللخمي السبتي " - ٧٣٣ " (١) ؛ وقد كان انتماء سبتة إلى حكم بني نصر سنة ٧٠٥، وعودتها إلى المرينيين سنة ٧٠٩ (٢) ، وعلى هذا تكون الوفادة قد تمت في أوائل تلك المرحلة بين هاتين السنتين.

٤ - وتقول هذه الترجمة إن وفاة ابن عبد المنعم كانت إثر عودته من زيارة لسلطان المغرب - باحواز تازه - بسبب انتشار موتان. وقد أراد بروفنسال أن يفهم من لفظة " موتان " أنها تعني وبأ جارفاً، ولكن الصيغة في النسخة الكتانية من الإحاطة وردت على النحو التالي: " الذين استأصلهم الموت "؛ غير إن استئصال الموت لوفدٍ يعني أنهم ربما تعرضوا لوبأ جارف، ولما كان الوبأ الذي اكتسح المشرق والمغرب قد حدث سنة ٧٤٩، فهل ذلك مما يجعلنا نقول بوفاة ابن عبد المنعم في حدود ذلك العام؟ كان ذلك ممكناً لولا إن ابن حجر ذكر في الدرر الكامنة أن وفاة ابن عبد المنعم كانت سنة ٧٢٧، وليس هناك من سبب يجعلنا نرد هذا التاريخ، وإن لم تحدثنا المصادر عن " موتان " ألم بالمغرب في ذلك العام.

٥ - ومع ذلك كله يبقى سؤال لابد من الإجابة عليه لتوضيح الموقف: في سنة ٧٢٨ كانت سبتة تشهد قدوم السلطان أبي سعيد المريني إليها لإخضاعها، وتقويم زيغها عن الطاعة للمرنيين، وقد استجابت سبتة لإرادة السلطان، " فاحتل بقصبتها وثقف جهاتها ورم منثلمها وصلح خللها واستعمل كبار رجالاته وخواص مجلسه في أعمالها " (٣) فما هي الغاية - إذن - من الوفد في السنة السابقة؟ أليس من الطبيعي أن يكون ذهاب الوفد بعد هذه الإجراءات التي قام بها أبو سعيد المريني؟ أن القطع بتاريخ وفاة ابن عبد المنعم ليس أمراً سهلاً، ولكن سنظل نقبل ما جاء في الدرر الكامنة، إلى أن تعين المصادر التي سيتكشف عنها المستقبل، تاريخ ذلك " الموتان " الذي يشير إليه لسان الدين.

٦ - ولكن هذه الترجمة لم تقل أي شيء يتعلق بنشاطه في التأليف. هل كان إحسانه لما يحسن قاصراً على رغبة في المعرفة لا تتجاوز الكسب إلى العطاء؟ هل درس وتخرج على يديه عدد من التلامذة؟ هل ألف؟ هل كانت تشمل شؤون الجغرافيا - أعني هل نسلم بأن معرفته للعلوم العقلية كانت تشمل أيضاً إطلاعه على المصادر الجغرافية؟ هل قول ابن القاسم " المتفنن


(١) الإحاطة: ٦٣ (النسخة ك) .
(٢) انظر بروفنسال، مقدمة الترجمة: ١٨.
(٣) الاستقصا ٣: ١١٥ (ط. الدار البيضاء: ١٩٥٤) .

<<  <   >  >>