في المعارف " يضم حرصه على أن يكون عارفاً بشؤون البلدان؛ ثم هل يمكن أن يتجاوز ما يتقنه في اللغة والنحو والقراءات فلا يؤلف فيها، ويكون مؤلفه " الوحيد " كتاباً جغرافياً؟ لماذا - وهذا الكتاب من أبرز ما يمثل جهده - لم تذكره الكتب التي ترجمت له؟
٧ - كل هذه التساؤلات التي أثرناها تضعنا في حيرة إزاء العلاقة بين ابن عبد المنعم و " الروض المعطار ". ومما يجعل هذا الموقف أشد عسراً أن كل محاولة لمعرفة مؤلف الروض من خلال كتابه - عدا تلك الإشارات الصغيرة العامة التي ألمحت إليها من قبل - تبوء بالإخفاق الذريع: لنأخذ الحقيقة الأولى وهي أن المؤلف سبتي: فماذا نجد؟ ليس حديثه عن سبتة إلا من خلال الآخرين، فإنه ينقل ما يقوله الإدريسي وصاحب " الاستبصار " وليس لديه كلمة واحدة - من عند نفسه - يقولها في سبتة. أما اهتمامه بأبي العباس الينشتي (١) الذي استقل في سبتة في أواخر عصر الموحدين فإنه لا يختلف عن اهتمامه بأحداث القرن السابع جملة، وهو شيء يرجع الفضل فيه - فيما اعتقد - إلى المصدر الذي اعتمده لا إلى معرفته الذاتية العيانية.
وهل يعقل أن يقول ابن سبتة المغربي وهو يتحدث عن " سلا " (المدينة الواقعة إلى جانب الرباط) ثم عن " سلى " التي في بلاد السودان: " ولا أدري هل هذه سلا التي ذكر أنها على ضفة البحر " ثم يذكر بعد قليل أن هذه " سلى " - الثانية - " من عمالة التكروري "؟ أقول: هل يعقل أن لا يعرف بأن سلا الواقعة في منطقة الدولة المرينية ليست هي الواقعة في عمالة التكروري؟ ومثل ذلك أن يقول في " الزهراء ": " مدينة في غربي قرطبة؟ كذا قالوا، ولا أدري أهي الزاهرة المتقدمة الذكر أو غيرها ". ربما كانت المدينتان في عصره قد اندثرتا، ولكن أليس يدل هذا على أن معلوماته التاريخية - حتى عند الأندلس - كانت قاصرة، وأن المقري كان مخطئاً حين تصور أن رب البيت أدرى بالذي فيه، إذ كان قد فصل بين الماضي والحاضر عندئذ مضيق متباعد العبرين، أوسع بكثير من بحر الزقاق.
٨ - وليس في كتاب الروض ما يشارف مطالع القرن الثامن - أو يتعداها قليلاً - إلا حادثتان: الأولى في مادة " أيلة " حيث جاء " ثم أصلحها السلطان [الأشرف قانصوه الغوري آخر ملوك الجراكسة من جملة ما أصلح في طريق الحجاج في أواخر عمره قبل العشرين والسبعمائة] والثانية في مادة " لوجارة " حين تحدث عمن بقي من المسلمين بها ثم قال: " وآل أمرهم في هذا العهد القريب إلى أن أجلاهم عنها صاحب صقلية الآن ". وقد بين الأستاذ رتزيتانو أن ذلك الإجلاء قد تم على يد الملك شارل الثاني سنة ٧٠٠.
وحين نقف عند هاتين الروايتين نجد أن العبارة الأولى وردت مبتورة في نسخة بيرم باشا، كاملة في نسخة الشيخ محمد نصيف؛ وهي إلى ذلك قد تضمنت هفوة جسيمة: إذ كيف يكون قانصوه