فزعمَ أنَّ هذه النصوصَ تدلُّ على أن اللَّهَ بذاتِهِ في كلِّ مكانٍ، كما يحكى
ذلك عن طوائفَ من الجهميةِ والمعتزلةِ ومن وافقَهُم، تعالى اللَّهُ عمَّا يقولون
علوًّا كبيرًا، وهذا شيءٌ ما خطرَ لمن كان قبلَهُم من الصحابة - رضي اللَّه
عنهم، وهؤلاءِ ممن يتبعُ ما تشابَهَ منه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويله " وقد حذَّر
النبي - صلى الله عليه وسلم - أُمَّتَه منهم في حديثِ عائشةَ الصحيح المتفقِ عليهِ.
وتعلَّقُوا - أيضًا - بما فهمُوه بفهمهم القاصرِ مع قصدِهِم الفاسدِ بآياتٍ في
كتاب اللَّهِ، مثل قولِهِ تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كنتُمْ) .
وقولِهِ: (مَا يَكُون مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ) .
فقالَ من قال من علماءِ السلفِ حينئذٍ: إنَّما أرادَ أنَّه معهم بعلمِهِ، وقصدُوا بذلكَ إبطالَ ما قالَهُ أولئكَ، مما لم يكنْ أحدٌ قبلهم قالَهُ ولا فهمَهُ من القرآنِ.
وممن قالَ: إنَّ هذهِ المعيةَ بالعلم مُقاتِلُ بنُ حيَّانَ، ورويَ عنه أنَه رواهُ عن
عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ.
وقاله الضحاكُ، قالَ: اللَّهُ فوقَ عرشِهِ، وعلمُهُ بكلِّ مكانٍ.
ورويَ نحوُه عن مالكٍ وعبدِ العزيزِ الماجشون والثوريِّ وأحمدَ وإسحاقَ
وغيرِهِم من أئمةِ السلفِ.
وروى الإمامُ أحمدُ: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ نافع، قال: قالَ مالكٌ: اللَّهُ في
السماءِ، وعلمُهُ بكلِّ مكانٍ.
وروي هذا المعنى عن علي وابنِ مسعودٍ - أيضًا.
وقالَ الحسنُ في قولِهِ تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ) .