أربعينَ، فجمَّع بهم، وبذلك يُجمعُ بين روايةِ عليِّ بنِ عاصمٍ وسائرِ
الروايات.
وهذا الذي قاله بعيدٌ، وروايةُ علي بنِ عاصمٍ غلطٌ محضٌ، لا يُلتفتُ
إليها.
وسلكَ طائفة مسلكًا آخرَ، وظاهرُ كلامِ البخاريِّ هاهنا وتبويبه يدل عليه.
وهو: أن انفضاضهم عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كان في نفسِ الصلاة، وكان قد افتتحَ بهم الجمُعةَ بالعددِ المعتبرِ، ثم تفرَّقوا في أثناءِ الصلاةِ، فأتمَّ بهم صلاةَ الجمُعةِ"
فإنَّ الاستدامَةَ يغتفرُ فيها ما لا يُغتفرُ في الابتداءِ.
وهذا قولُ جماعةٍ منَ العلماءِ، منهم: أبو حنيفةَ وأصحابهُ والثوريُّ ومالكٌ
والشافعيُّ - في القديم - وإسحاقُ، وهو وجهٌ لأصحابِنا.
وعلى هذا، فمنهم مَن اعتبرَ أن يبقى معه واحدٌ فأكثرُ؛ لأن أصلَ الجماعةِ
تنعقدُ بذلك، ومنهم مَن شرطَ أن يبقى معه اثنانِ، وهو قولُ الثوريِّ وابن
المباركِ، وحكيَ قولاً للشافعيِّ.
وقال إسحاقُ: إن بَقيَ معه اثنا عشرَ رجلاً جَمَّع بهم وإلا فلا؛ لظاهر
حديثِ جابرٍ.
وهو وجه لأصحابِنا.
ولأصحابِنا وجهٌ أخرُ: يتمُّها الإمامُ جمُعةً، ولو بقيَ وحدَه.
وهذا بعيدٌ جدًّا.
وفرَّق مالكٌ بينَ أن يكون انفضاضُهم قبلَ تمامِ ركعةٍ فلا تصحُ جمُعتُهم
ويصلُّون ظهرًا، وبينَ أن يكونَ بعد تمامِ ركعةٍ فيتمّونَها جمعةً.