ويتمسكونَ بالمتشابهِ ابتغاءَ الفتنةِ، ويحرّفون المحكمَ عن مواضعِه، ويعتمدونَ
على شبهاتٍ وخيالاتٍ لا حقيقةَ لها، بلْ هي من وساوسِ الشيطانِ
وخيالاتِهِ، يقذفُها في القلوبِ.
فأهلُ العلم والإيمانِ يمتثلون في هذه الشبهاتِ ما أمرُوا به من الاستعاذةِ
باللَّه، والانتهاء عما ألقاه الشيطانُ، وقد جعلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك من علاماتِ الإيمانِ، وغيرُهم فيصغونَ إلى تلك الشبهاتِ، ويعبرون عنها بألفاظ مشتبهات، لا حرمةَ لها في نفسها وليس لها معنىً يصحُّ، فيجعلون تلك الألفاظ - محكمةً لا تقبلُ التأويلَ، فيردُّون كلامَ الله ورسولِهِ إليها، ويعرضونه عليها، ويحرّفونه عن مواضعِه لأجلها.
هذه طريقةُ طوائف أهلِ البدع المحضةِ من الجهميةِ والخوارج والروافضِ
والمعتزلةِ ومن أشبَههُم، وقد وقعَ في شيء من ذلك كثيرٌ من المتأخرينَ
المنتسبين إلى السنة من أهلِ الحديثِ والفقهِ والتصوفِ من أصحابِنا وغيرِهم في
بعضِ الأشياءِ دونَ بعضٍ.
وأمَّا السلفُ وأئمةُ أهلِ الحديثِ، فعلى الطريقةِ الأولى، وهي الإيمانُ
بجميع ما أثبتَهُ اللَهُ لنفسه في كتابِهِ، أو صحَّ عن رسولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه أثبتَه له، مع نفي التمثيلِ والكيفيةِ عنه، كما قالَه ربيعةُ ومالكٌ وغيرُهما من أئمةِ الهدى في الاستواء، ورُوي عن أمِّ سلمةَ أمِّ المؤمنين، وقال مثلَ ذلك غيرُهم من العلماء في النزولِ، وكذلك القولُ في سائر الصفاتِ، واللهُ سبحانه وتعالى الموفقُ.