يجعلُ اللَّه له بعدَها فرجًا، وإنَه لن يَغْلِبَ عسرٌ يسرينِ، وإنه يقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠) .
ومن لطائف أسرارِ اقترانِ الفرج بالكربِ واليُسرِ بالعسرِ: أن الكربَ إذا
اشتدَّ وعَظُمَ وتناهى، حصلَ للعبدِ الإياسُ من كَشْفِهِ من جهةِ المخلوقين.
وتعلَّقَ قلبُه بالله وحدَهُ، وهذا هو حقيقةُ التوكُلِ على اللَّه، وهو من أعظم
الأسبابِ التي تُطلَبُ بها الحوائجُ، فإنَّ اللَّهَ يكفي من توكَّل عليه"، كما قال:
(وَمَن يَتَوَكلْ عَلَى اللهِ فَهوَ حَسْبُهُ) .
وروى آدمُ بنُ أبي إياسٍ في "تفسيره" بإسنادِهِ عن محمدِ بنِ إسحاقَ قال:
جاء مالكٌ الأشجعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أُسِرَ ابْنِي عوفٌ، فقالَ له: "أرسل إليه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرُكَ أن تُكثِرَ من قولِ: لا حول ولا قوة إلا باللَّهِ "، فأتاه
الرسولُ فأخبرَه، فأكبَّ عوفٌ يقول: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، وكانوا قد
شدُّوه بالقدِّ فسقطَ القدُّ عنه، فخرجَ فإذا هو بناقةٍ لهم فركبَها، فأقبلَ فإذا هو بسَرح القومِ الذي كانوا شدُّوه، فصاح بهم، فاتبعَ آخرُها أوَّلَها،، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالبابِ، فقال أبوه: عوف وربِّ الكعبةِ، فقالتْ أُمُّه: واسوأتاه، عوفٌ كئيبٌ يالمُ لما فيه منَ القدِّ، فاستبقَ الأبُ والخادمُ إليه، فإذا عوفٌ قدْ ملأ الفناءَ إبلاً، فقصَّ على أبيه أمرَه وأمرَ الإبلِ فأتى أبوه
رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بخبرِ عوف وخبرِ الإبل، فقال له رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:
"اصنع بها ما أحببتَ، وما كنتَ صانعًا لإبلك ".
ونزل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) .